الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية

            لما فتح أبو عبيدة حمص بعث خالد بن الوليد إلى قنسرين ، فلما جاءها ثار إليه أهلها ومن عندهم من نصارى العرب ، فقاتلهم خالد فيها قتالا شديدا ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، فأما من هناك من الروم فأبادهم ، وقتل أميرهم ميناس ، ومن معه مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها ، فماتوا على دم واحد . وأما الأعراب فإنهم اعتذروا إليه بأن هذا القتال لم يكن عن رأينا ، فقبل منهم خالد وكف عنهم ، ثم خلص إلى البلد فتحصنوا فيه ، فقال لهم خالد : إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا . فنظروا في أمرهم ورأوا ما لقي أهل حمص فصالحوهم على صلح حمص دخول هرقل القسطنطينية فعند ذلك دخل هرقل القسطنطينية ; وسببه : أن خالدا وعياضا أدربا إلى هرقل من الشام ، وأدرب عمرو بن مالك من الكوفة ، فخرج من ناحية قرقيسيا ، وأدرب ع?د الله بن المعتم من ناحية الموصل ، ثم رجعوا ، فعندها دخل هرقل القسطنطينية ، وكانت هذه أول مدربة في الإسلام سنة خمس عشرة ، وقيل : ست عشرة .

            فلما بلغ عمر صنيع خالد قال : أمر خالد نفسه ، يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني ! وقد كان عزله والمثنى بن حارثة وقال : إني لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما .

            فأما المثنى فإنه رجع عن رأيه فيه لما قام بعد أبي عبيدة ، ورجع عن خالد بعد قنسرين . وأما هرقل فإنه خرج من الرهاء ; وكان أول من أنبح كلابها ونفر دجاجها من المسلمين زياد بن حنظلة - وكان من الصحابة - ، وسار هرقل فنزل بشمشاط ، ثم أدرب منها نحو القسطنطينية . فلما أراد المسير منها علا على نشز ثم التفت إلى الشام فقال : السلام عليك يا سورية ، سلام لا اجتماع بعده ، ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا ، حتى يولد المولود المشئوم ، يا ليته لا يولد ! فما أحلى فعله وأمر فتنته على الروم ! . ثم سار هرقل حتى نزل القسطنطينية ، واستقر بها ملكه ، وقد سأل رجلا ممن اتبعه كان قد أسر مع المسلمين ، فقال : أخبرني عن هؤلاء القوم . فقال : أخبرك كأنك تنظر إليهم ; هم فرسان بالنهار ، رهبان بالليل ، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه . فقال : لئن كنت صدقتني ليملكن موضع قدمي هاتين .

            قلت : وقد حاصر المسلمون قسطنطينية في زمان بني أمية ، فلم يملكوها ولكن سيملكها المسلمون في آخر الزمان ، كما سنبينه في كتاب الملاحم ، وذلك قبل خروج الدجال بقليل على ما صحت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في " صحيح مسلم " وغيره من الأئمة ، ولله الحمد والمنة .

            وقد حرم الله على الروم أن يملكوا بلاد الشام برمتها إلى آخر الدهر ، كما ثبت به الحديث في " الصحيحين " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل . وقد وقع ما أخبر به ، صلوات الله وسلامه عليه ، كما رأيت ، وسيكون ما أخبر به جزما ، لا يعود ملك القياصرة إلى الشام أبدا ; لأن قيصر علم جنس عند العرب يطلق على كل من ملك الشام مع بلاد الروم . فهذا لا يعود لهم أبدا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية