عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى
في سنة سبع عشرة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة ، واستعمل عليها أبا موسى ، وأمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الأول ; قاله الواقدي .
ثم ذكر الواقدي أن امرأة كان يقال لها : أم جميل بنت الأفقم ، من نساء بني عامر بن صعصعة ، ويقال : من نساء بني هلال . وكان زوجها من ثقيف قد توفي عنها ، وكانت تغشى نساء الأمراء والأشراف ، وكانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة وكانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة وكان بينهما الطريق ، وفي دار أبي بكرة كوة تشرف على كوة في دار المغيرة ، وكان لا يزال بين المغيرة وبين أبي بكرة شنآن ، فبينما أبو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في العلية ، إذ فتحت الريح باب الكوة ، فقام أبو بكرة ليغلقها ، فإذا كوة المغيرة مفتوحة ، وإذا هو على صدر امرأة وبين رجليها ، وهو يجامعها ، فقال أبو بكرة لأصحابه : تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بأم جميل . فقاموا فنظروا إليه وهو يجامع تلك المرأة ، فقالوا لأبي بكرة : ومن أين قلت إنها أم جميل ؟ وكان رأساهما من الجانب الآخر ، فقال : انتظروا . فلما فرغا قامت المرأة ، فقال أبو بكرة : هذه أم جميل . فعرفوها فيما يظنون ، فلما خرج المغيرة - وقد اغتسل - ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم . وكتبوا إلى عمر في ذلك ، فولى عمر أبا موسى الأشعري أميرا على البصرة وعزل المغيرة ، فسار إلى البصرة فنزل بالمربد ، فقال المغيرة : والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء إلا أميرا . ثم قدم أبو موسى على الناس ، وناول المغيرة كتابا من عمر ، هو أوجز كتاب ، فيه : أما بعد ، فإنه بلغني نبأ عظيم ، فبعثت أبا موسى أميرا ، فسلم ما في يديك ، والعجل . وكتب إلى أهل البصرة إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من قويكم لضعيفكم ، وليقاتل بكم عدوكم ، وليدفع عن دينكم ، وليجبي لكم فيئكم ، ثم يقسمه فيكم . وأهدى المغيرة لأبي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة ، وقال : إني رضيتها لك . وكانت فارهة . وارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه إلى عمر ، وهم أبو بكرة ، ونافع بن كلدة ، وزياد بن أبيه ، وشبل بن معبد البجلي ، فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة ، فقال المغيرة : سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني ; مستقبلهم أو مستدبرهم ؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها ؟ فإن كانوا مستقبلي ، فكيف لم يستتروا ! أو مستدبري ، فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتي ! والله ما أتيت إلا امرأتي . وكانت شبهها . فبدأ عمر بأبي بكرة ، فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل ، وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة . قال : كيف رأيتهما ؟ قال : مستدبرهما . قال : فكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت . ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك ، فقال : استقبلتهما أم استدبرتهما ؟ قال : استقبلتهما . وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال : رأيته جالسا بين رجلي امرأة ، فرأيت قدمين مخضوبتين يخفقان ، واستين مكشوفتين ، وسمعت حفزانا شديدا . قال : هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا . قال : فهل تعرف المرأة ؟ قال : لا ، ولكن أشبهها . قال : فتنح . وروي أن عمر ، رضي الله عنه ، كبر عند ذلك ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد ، وهو يقرأ قوله تعالى : فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون [ النور : 13 ] . فقال المغيرة : اشفني من الأعبد . قال : اسكت أسكت الله نأمتك ، والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك . وقد قيل: إن هذا كان في سنة خمس عشرة .
قال ابن الجوزي: من الجائز أن يكون قد تزوجها ولم يعلم أحدا ، وقد كانت تشبه زوجته .
قال ابن عقيل : للفقهاء تأويلات ، فقد كانت المتعة عقدا في الشرع ، وكان نكاح السر عند قوم زنا ، ولا يجوز أن ينسب إلى الصحابي ما لا يجوز؛ لأنه جهل بمقدار الضرر في ذلك .