الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى

            في سنة سبع عشرة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة ، واستعمل عليها أبا موسى ، وأمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الأول ; قاله الواقدي .

            ثم ذكر الواقدي أن امرأة كان يقال لها : أم جميل بنت الأفقم ، من نساء بني عامر بن صعصعة ، ويقال : من نساء بني هلال . وكان زوجها من ثقيف قد توفي عنها ، وكانت تغشى نساء الأمراء والأشراف ، وكانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة وكانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة وكان بينهما الطريق ، وفي دار أبي بكرة كوة تشرف على كوة في دار المغيرة ، وكان لا يزال بين المغيرة وبين أبي بكرة شنآن ، فبينما أبو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في العلية ، إذ فتحت الريح باب الكوة ، فقام أبو بكرة ليغلقها ، فإذا كوة المغيرة مفتوحة ، وإذا هو على صدر امرأة وبين رجليها ، وهو يجامعها ، فقال أبو بكرة لأصحابه : تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بأم جميل . فقاموا فنظروا إليه وهو يجامع تلك المرأة ، فقالوا لأبي بكرة : ومن أين قلت إنها أم جميل ؟ وكان رأساهما من الجانب الآخر ، فقال : انتظروا . فلما فرغا قامت المرأة ، فقال أبو بكرة : هذه أم جميل . فعرفوها فيما يظنون ، فلما خرج المغيرة - وقد اغتسل - ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم . وكتبوا إلى عمر في ذلك ، فولى عمر أبا موسى الأشعري أميرا على البصرة وعزل المغيرة ، فسار إلى البصرة فنزل بالمربد ، فقال المغيرة : والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء إلا أميرا . ثم قدم أبو موسى على الناس ، وناول المغيرة كتابا من عمر ، هو أوجز كتاب ، فيه : أما بعد ، فإنه بلغني نبأ عظيم ، فبعثت أبا موسى أميرا ، فسلم ما في يديك ، والعجل . وكتب إلى أهل البصرة إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من قويكم لضعيفكم ، وليقاتل بكم عدوكم ، وليدفع عن دينكم ، وليجبي لكم فيئكم ، ثم يقسمه فيكم . وأهدى المغيرة لأبي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة ، وقال : إني رضيتها لك . وكانت فارهة . وارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه إلى عمر ، وهم أبو بكرة ، ونافع بن كلدة ، وزياد بن أبيه ، وشبل بن معبد البجلي ، فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة ، فقال المغيرة : سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني ; مستقبلهم أو مستدبرهم ؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها ؟ فإن كانوا مستقبلي ، فكيف لم يستتروا ! أو مستدبري ، فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتي ! والله ما أتيت إلا امرأتي . وكانت شبهها . فبدأ عمر بأبي بكرة ، فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل ، وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة . قال : كيف رأيتهما ؟ قال : مستدبرهما . قال : فكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت . ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك ، فقال : استقبلتهما أم استدبرتهما ؟ قال : استقبلتهما . وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال : رأيته جالسا بين رجلي امرأة ، فرأيت قدمين مخضوبتين يخفقان ، واستين مكشوفتين ، وسمعت حفزانا شديدا . قال : هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا . قال : فهل تعرف المرأة ؟ قال : لا ، ولكن أشبهها . قال : فتنح . وروي أن عمر ، رضي الله عنه ، كبر عند ذلك ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد ، وهو يقرأ قوله تعالى : فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون [ النور : 13 ] . فقال المغيرة : اشفني من الأعبد . قال : اسكت أسكت الله نأمتك ، والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك . وقد قيل: إن هذا كان في سنة خمس عشرة .

            قال ابن الجوزي: من الجائز أن يكون قد تزوجها ولم يعلم أحدا ، وقد كانت تشبه زوجته .

            قال ابن عقيل : للفقهاء تأويلات ، فقد كانت المتعة عقدا في الشرع ، وكان نكاح السر عند قوم زنا ، ولا يجوز أن ينسب إلى الصحابي ما لا يجوز؛ لأنه جهل بمقدار الضرر في ذلك .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية