وفي سنة إحدى وعشرين أن عمرو بن العاص سار في جيش معه إلى أنطابلس - قال : وهي برقة - فافتتحها صلحا على ثلاثة عشر ألف دينار في كل سنة .
وأن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا بيعه . فلما فرغ من برقة سار إلى طرابلس الغرب فحاصرها شهرا فلم يظفر بها ، وكان قد نزل شرقيها ، فخرج رجل من بني مدلج يتصيد في سبعة نفر ، وسلكوا غرب المدينة ، فلما رجعوا اشتد عليهم الحر فأخذوا على جانب البحر ، ولم يكن السور متصلا بالبحر ، وكانت سفن الروم في مرساها مقابل بيوتهم ، فرأى المدلجي وأصحابه مسلكا بين البحر والبلد فدخلوا منه وكبروا ، فلم يكن للروم ملجأ إلا سفنهم ، لأنهم ظنوا أن المسلمين قد دخلوا البلد ، ونظر عمرو ومن معه فرأى السيوف في المدينة وسمعوا الصياح ، فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم البلد ، فلم يفلت الروم إلا بما خف معهم في مراكبهم .
وكان أهل حصن سبرة قد تحصنوا لما نزل عمرو على طرابلس ، فلما امتنعوا عليه بطرابلس أمنوا واطمأنوا ، فلما فتحت طرابلس جند عمرو عسكرا كثيفا وسيره إلى سبرة ، فصبحوها وقد فتح أهلها الباب وأخرجوا مواشيهم لتسرح ; لأنهم لم يكن بلغهم خبر طرابلس ، فوقع المسلمون عليهم ودخلوا البلد مكابرة وغنموا ما فيه وعادوا إلى عمرو . ثم سار عمرو بن العاص إلى برقة وبها لواتة ، وهم من البربر .
وكان سبب مسير البربر إليها وإلى غيرها من الغرب أنهم كانوا بنواحي فلسطين من الشام ، وكان ملكهم جالوت ، فلما قتل سارت البرابر وطلبوا الغرب ، حتى إذا انتهوا إلى لوبية ومراقية ، وهما كورتان من كور مصر الغربية ، تفرقوا فسارت زناتة ومغيلة ، وهما قبيلتان من البربر إلى الغرب فسكنوا الجبال ، وسكنت لواتة أرض برقة ، وتعرف قديما بأنطابلس ، وانتشروا فيها حتى بلغوا السوس ، ونزلت هوارة مدينة لبدة ، ونزلت نفوسة إلى مدينة سبرة وجلا من كان بها من الروم لذلك ، وقام الأفارق ، وهم خدم الروم ، على صلح يؤدونه إلى من غلب على بلادهم . قال : وفي سنة إحدى وعشرين بعث عمرو بن العاص عقبة بن نافع الفهري إلى زويلة ففتحها بصلح ، وصار ما بين برقة إلى زويلة سلما للمسلمين .