الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه

            الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي المجاشعي . قال ابن دريد : واسمه فراس بن حابس ، ولقب بالأقرع لقرع في رأسه . وكان أحد الرؤساء ، قدم على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مع وفد بني تميم ، وهو الذي نادى من وراء الحجرات : يا محمد إن مدحي زين ، وذمي شين . وهو القائل - وقد رأى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقبل الحسن - أتقبله ؟ ! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم . فقال : من لا يرحم لا يرحم . وفي رواية : ما أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك . وكان ممن تألفه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه يوم حنين مائة من الإبل ، وكذلك لعيينة بن حصن الفزاري ، وأعطى عباس بن مرداس خمسين من الإبل فقال :


            أتجعل نهبي ونهب العبي د بين عيينة والأقرع     فما كان حصن ولا حابس
            يفوقان مرداس في مجمع     وما كنت دون امرئ منهما
            ومن تخفض اليوم لا يرفع

            فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، " أنت القائل :


            أتجعل نهبي ونهب العبي     د بين الأقرع وعيينة

            رواه البخاري .

            قال السهيلي : إنما قدم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر الأقرع قبل عيينة ؛ لأن الأقرع كان خيرا من عيينة ، ولهذا لم يرتد بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كما ارتد عيينة ، فبايع طليحة وصدقه ، ثم عاد .

            والمقصود أن الأقرع كان سيدا مطاعا ، وشهد مع خالد وقائعه بأرض العراق ، وكان على مقدمته يوم الأنبار . ذكره شيخنا في من توفي في خلافة عمر بن الخطاب . والذي ذكره ابن الأثير في " الغابة " أنه استعمله عبد الله بن عامر على جيش وسيره إلى الجوزجان فقتل وقتلوا جميعا ، وذلك في خلافة عثمان ، .

            حباب بن المنذر بن الجموح حباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة . أبو عمر ، ويقال أبو عمرو الأنصاري الخزرجي السلمي . ويقال له : ذو الرأي . لأنه أشار يوم بدر أن ينزل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على أدنى ماء يكون إلى القوم ، وأن يغور ما وراءهم من القلب ، فأصاب في هذا الرأي ، ونزل الملك بتصديقه . وأما قوله يوم السقيفة أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير . فقد رده عليه الصديق والصحابة .

            ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، ابن عم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،

            عتبة بن مسعود الهذلي ، هاجر مع أخيه لأبويه عبد الله إلى الحبشة ، وشهد أحدا وما بعدها . قال الزهري : ما كان عبد الله بأفقه منه ، ولكن مات عتبة قبله . وتوفي زمن عمر على الصحيح . ويقال : في زمن معاوية سنة أربع وأربعين .

            علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي ، أسلم عام الفتح ، وشهد حنينا ، وأعطي يومئذ مائة من الإبل تأليفا لقلبه ، وكان يكون بتهامة ، وكان شريفا مطاعا في قومه ، وقد ارتد أيام الصديق ؛ فبعث إليه سرية ؛ فانهزم ثم أسلم وحسن إسلامه ، ووفد على عمر في خلافته وقدم دمشق في طلب ميراث له ، ويقال : استعمله عمر على حوران فمات بها . وقد كان الحطيئة قصده ليمتدحه فمات قبل مقدمه بليال فقال :


            فما كان بيني لو لقيتك سالما     وبين الغنى إلا ليال قلائل

            علقمة بن مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي علقمة بن مجزز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي ، أحد أمراء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على بعض السرايا ، فأجج نارا وأمر أصحابه أن يدخلوا فيها فامتنعوا ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : لو دخلوا فيها ما خرجوا منها . وقال : إنما الطاعة في المعروف . وقد كان علقمة جوادا ممدحا ، رثاه جواس العذري فقال :


            إن السلام وحسن كل تحية     تغدو على ابن مجزز وتروح

            عويم بن ساعدة بن عائش أبو عبد الرحمن الأنصاري الأوسي عويم بن ساعدة بن عائش أبو عبد الرحمن الأنصاري الأوسي ، أحد بني عمرو بن عوف ، شهد العقبة وبدرا وما بعدها ، له حديث عند أحمد وابن ماجه في الاستنجاء بالماء . قال ابن عبد البر : توفي في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقيل : في خلافة عمر . وقال وهو واقف على قبره : لا يستطيع أحد أن يقول : أنا خير من صاحب هذا القبر ، ما نصبت راية للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلا وهو واقف تحتها . وقد روى هذا الأثر ابن أبي عاصم ، كما أورده ابن الأثير من طريقه .

            غيلان بن سلمة الثقفي غيلان بن سلمة الثقفي ، أسلم عام الفتح على عشر نسوة ، فأمره رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن يختار منهن أربعا . وقد وفد قبل الإسلام على كسرى فأمره أن يبني له قصرا بالطائف . وقد سأله كسرى : أي ولدك أحب إليك ؟ قال : الصغير حتى يكبر ، والمريض حتى يبرأ ، والغائب حتى يقدم . فقال له كسرى : أنى لك هذا ! هذا كلام الحكماء ! قال : فما غذاؤك ؟ قال : البر . قال : نعم هذا من البر لا من التمر واللبن .

            معمر بن الحارث بن حبيب معمر بن الحارث بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي ، أخو حاطب وحطاب ، أمهم قتيلة بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون . أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم ، وشهد بدرا وما بعدها ، وآخى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين معاذ بن عفراء .

            ميسرة بن مسروق العبسي ميسرة بن مسروق العبسي

            شيخ صالح ، قيل : إنه صحابي . شهد اليرموك ودخل الروم أميرا على جيش ستة آلاف ، وكانت له همة عالية ، فقتل وسبى وغنم ، وذلك في سنة عشرين . وروى عن أبي عبيدة ، وعنه أسلم مولى عمر . لم يذكره ابن الأثير في " الغابة " .

            واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين الحنظلي اليربوعي واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين الحنظلي اليربوعي ، حليف بني عدي بن كعب ، أسلم قبل دار الأرقم ، وشهد بدرا وما بعدها ، وآخى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين بشر بن البراء بن معرور ، وهو أول من قتل في سبيل الله ، عز وجل ، ببطن نخلة مع عبد الله بن جحش حين قتل عمرو بن الحضرمي . توفي في خلافة عمر ، رضي الله عنه .

            أبو خراش الهذلي أبو خراش الهذلي الشاعر واسمه خويلد بن مرة ، كان يسبق الخيل على قدميه ، وكان فتاكا في الجاهلية ، ثم أسلم وحسن إسلامه ، وتوفي في زمن عمر . أتاه حجاج ، فذهب يأتيهم بماء فنهشته حية فرجع إليهم بالماء ، وأعطاهم شاة وقدرا ولم يعلمهم بما جرى له ، فأصبح فمات فدفنوه . ذكره ابن عبد البر ، وابن الأثير في أسماء الصحابة . والظاهر أنه ليست له وفادة ، وإنما أسلم في حياة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فهو مخضرم . والله أعلم .

            أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب بن عمرو الأنصاري أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب بن عمرو الأنصاري ، شهد أحدا وما بعدها إلا تبوك فإنه تخلف لعذر الفقر ، وهو أحد البكائين المذكورين .

            سودة بنت زمعة القرشية العامرية أم المؤمنين سودة بنت زمعة القرشية العامرية أم المؤمنين ، أول من دخل بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بعد خديجة ، رضي الله عنها ، وكانت صوامة قوامة . ويقال : كان في خلقها حدة . وقد كبرت فأراد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن يفارقها - ويقال : بل فارقها - فقالت : يا رسول الله لا تفارقني وأنا أجعل يومي لعائشة . فتركها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وصالحها على ذلك . وفي ذلك أنزل الله ، عز وجل : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير الآية [ النساء : 128 ] . قالت عائشة : نزلت في سودة بنت زمعة . توفيت في خلافة عمر بن الخطاب

            هند بن عتبة ، يقال : ماتت في خلافة عمر . وقيل : توفيت قبل ذلك . كما تقدم . فالله أعلم . قتادة بن النعمان الأنصاري ، وهو الذي رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عينه ، وصلى عليه عمر بن الخطاب ، وهو بدري ، وقيل : توفي سنة أربع وعشرين . الأخنس بن شريق:

            واسمه أبي [بن] شريق بن عمرو بن وهب ، [وكان اسمه أبي] فلما أشار على بني زهرة بالرجوع إلى مكة حين توجهوا في النفير إلى بدر يمنعوا العير فقبلوا منه ، قيل:

            خنس بهم ، فسمي الأخنس يومئذ .

            أسلم يوم فتح مكة ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنينا ، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم .

            وتوفي في أول خلافة عمر رضي الله عنه سليم ، أبو كبشة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

            من مولدي أرض دوس ، شهد بدرا ، والمشاهد كلها ، وتوفي يوم استخلف عمر ، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة] عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم:

            كان أبوه ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة .

            فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد ، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو ، فقتل الطفيل باليمامة ، وقطعت يد ابنه ، ثم استبل وصحت يده .

            فبينا هو عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ أتي بطعام فتنحى عنه ، فقال عمر: ما لك لعلك تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل ، قال: والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك ، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك . ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقتل شهيدا . الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر ، أبو خالد :

            شهد العقبة مع السبعين ، وبدرا ،
            والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وشهد اليمامة مع خالد بن الوليد ، فجرح يومئذ واندمل ، ثم انتقض به فمات ، فهو يعد من شهداء اليمامة . زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي :

            شهد العقبة مع السبعين ، وكان لما أسلم يكسر أصنام بني بياضة . وخرج زياد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقام معه بمكة وهاجر معه إلى المدينة ، فهو مهاجري أنصاري ، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو عامله على حضرموت ، وولي قتال أهل الردة باليمن حين ارتد أهل البحرين مع الأشعث بن قيس فظفر بهم فقتل من قتل وأسر من أسر ، وبعث بالأشعث بن قيس إلى أبي بكر في وثاق . [ سلمة بن أسلم :

            شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقتل بالعراق يوم جسر أبي عبيد الثقفي وهو ابن ثلاث وستين سنة . سلمة بن هشام بن المغيرة :

            أسلم بمكة قديما ، وهاجر إلى الحبشة ، ثم عاد إلى مكة فحبسه أبو جهل وضربه وأجاعه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو له في صلاته ، يقول: "اللهم أنج سلمة بن هشام ، وعياش بن ربيعة ، والوليد بن الوليد وضعفة المسلمين؟" . أفلت سلمة فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق ، فلما بعث أبو بكر رضي الله عنه الجنود لجهاد الروم قتل سلمة بمرج الصفر شهيدا في محرم هذه السنة .

            سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد :

            شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقتل يوم جسر أبي عبيد ] عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ، أبو قحافة :

            أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أسلم يوم الفتح .

            وعن محمد بن إسحاق ، قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، ] عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة واطمأن وجلس في المسجد أتاه أبو بكر بأبي قحافة ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يا أبا بكر ، ألا تركت الشيخ حتى أكون أنا الذي أمشي إليه؟" . فقال: يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه ووضع يده على قلبه ، ثم قال: "يا أبا قحافة ، أسلم تسلم" . قال:

            فأسلم وشهد شهادة الحق . قال: وأدخل عليه ورأسه ولحيته كأنها ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "غيروا هذا الشيب ، وجنبوه السواد" .
            وعن أبو موسى محمد بن المثنى ] ، قال: مات أبو قحافة بمكة سنة أربع عشرة .

            قال علماء السير: توفي أبو قحافة بمكة في محرم سنة أربع عشرة ، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بستة أشهر وأيام . عفراء بنت عبيد بن ثعلبة :

            أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورزقها الله سبع بنين ، شهدوا كلهم بدرا مسلمين ، وذلك أنها تزوجت الحارث بن رفاعة ، فولدت له معاذا ومعوذا ، ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجها بكر بن عبد ياليل ، فولدت له خالدا ، وإياسا ، وعاقلا ، وعامرا ، ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفا ، فشهدوا كلهم بدرا مسلمين .

            واستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر ، وخالد يوم الرجيع ، وعامر يوم بئر معونة ، وإياس يوم اليمامة ، والبقية منهم لعوف .

            [ فروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد :

            شهد العقبة مع السبعين ،
            وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واستعمله على المغانم يوم خيبر ، وكان يبعثه خارصا بالمدينة ، نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم :

            وكان له ولد اسمه عبد الله يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أول من ولي قضاء المدينة في خلافة معاوية ، وولد آخر اسمه سعد ، وكان فقيها .

            وعن هشام [بن محمد بن السائب الكلبي ] عن أبيه ، قال: لما أخرج المشركون من كان بمكة من بني هاشم إلى بدر كرها كان فيهم نوفل ، فأنشأ يقول:


            حرام علي حرب أحمد إنني     أرى أحمدا مني قريبا أواصره
            فإن تك فهر ألبت وتجمعت     عليه فإن الله لا شك ناصره

            قال المصنف: ثم أسر نوفل ببدر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "افد نفسك برماحك التي بجدة" ، قال: أشهد أنك رسول الله ، ففدى نفسه بها ، وكانت ألف رمح ، وكان أسن من حمزة والعباس .

            ورجع إلى مكة ، ثم هاجر هو والعباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام الخندق ، وشهد فتح مكة والطائف ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين ، وأعان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ بثلاثة آلاف رمح ، وتوفي بعد أن استخلف عمر بسنة وثلاثة أشهر ، فصلى عليه عمر ، وتبعه إلى البقيع حتى دفن هناك . أم عمارة ، واسمها نسيبة ، بفتح النون وكسر السين ، بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية :

            أسلمت وحضرت العقبة ، وبايعت وشهدت أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضاء ويوم اليمامة .

            وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال: "ما التفت يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني" . قال الواقدي : قاتلت يوم أحد ، وجرحت اثنتي عشرة جراحة ، وداوت جرحا في عنقها سنة ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إلى حمراء الأسد ، فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم ، وخرجت مع المسلمين في قتال أهل الردة ، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ، ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة . أم سليط بنت عبيد بن زياد الأنصارية :

            أسلمت وبايعت وشهدت أحدا وخيبر وحنينا ، وتوفيت في هذه السنة .

            قال] ثعلبة بن أبي مالك : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة ، فبقي منها مرط جيد ، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين ، أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي عندك -يريدون أم كلثوم- ، فقال: أم سليط أحق به ، فإنها ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت تزفر لنا القرب يوم أحد . سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن ثعلبة ، أبو ثابت الخزرجي :

            كان يكتب في الجاهلية ، وكانت الكتابة في العرب قليلا ، وكان يحسن العوم والرمي ، وكان من اجتمع له ذلك يسمى الكامل ، وكان سعد بن عبادة وعدة من آباء له قبله في الجاهلية ينادى على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة ، وكان ينادى على أطم أبيه أيضا .

            [أخبرنا عبد الله بن علي المقري بإسناده عن محمد] بن سيرين ، قال: كان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل ، والرجل بالرجلين ، والرجل بالخمسة ، فأما سعد بن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة .

            عن ابن سيرين:

            أن سعد بن عبادة كان يبسط ثوبه ويقول: اللهم وسع علي ، فإنه لا يسعني إلا الكثير .

            عن هشام ، عن أبيه]: أن سعد بن عبادة كان يدعو: اللهم هب لي حمدا ومجدا ، لا مجد إلا بفعال ، ولا فعال إلا بمال ، اللهم لا يصلحني القليل ، ولا أصلح عليه .

            يحيى ، يعني ابن أبي كثير ] قال: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من سعد كل يوم جفنة تدور معه حيث دار ، وكان يقول: اللهم ارزقني مالا فلا يصلح الفعال إلا بمال .

            قال علماء السير: أسلم سعد وشهد العقبة مع السبعين ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، وتهيأ للخروج إلى بدر فنهش فأقام ، وشهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

            ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتمعت الأنصار فأمروه ، فلما بويع لأبي بكر لم يبايعه سعد ، ولا بايع عمر ، وخرج إلى الشام ، ومات بحوران .

            وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق ، فاقتتل من ساعته ، ووجدوه قد اخضر جلده ، وسمع غلمان بالمدينة قائلا يقول من بئر فقال:


            نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده     ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده

            فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بحوران عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الساعدي :

            كان يهجو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحرض المشركين على المسلمين في شعره ، ويهاجي حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين ، ويسير مع قريش حيث سارت لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة عام الفتح هرب حتى انتهى إلى نجران ، فدخل حصنها ، وقال لأهلها: أما قريش فقد قتلت ودخل محمد مكة ، ونحن نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم ، فجعلوا يصلحون ما رث من حصنهم ، ويجمعون ماشيته ، ثم انحدر ابن الزبعرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:


            يا رسول المليك إن لساني     راتق ما فتقت إذ أنا بور
            إذ أجاري الشيطان في سنن الغي     ومن مال ميله مثبور
            يشهد السمع والفؤاد بما قلت     ونفسي الشهيد وهي الخبير
            إن ما جئتنا به حق صدق     ساطع نوره مضيء منير
            جئتنا باليقين والصدق والبر     وفي الصدق والسرور السرور
            أذهب الله ظلمة الجهل عنا     وأتانا الرخاء والميسور

            وقال أيضا يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:


            منع الرقاد بلابل وهموم     والليل معتلج الرواق بهيم
            مما أتاني أن أحمد لامني     فيه فبت كأنني محموم
            يا خير من حملت على أوصالها     عيرانة سرح اليدين غشوم
            إني لمعتذر إليك من الذي     أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
            أيام تأمرني بأسوأ خطة     سهم وتأمرني بها مخزوم
            وأمد أسباب الردى ويقودني     أمر الغواة وأمرهم مشئوم
            مضت العداوة وانقضت أسبابها     وأتت أواصر بيننا وحلوم
            فاغفر فدى لك والداي كلاهما     وارحم فإنك راحم مرحوم
            وعليك من سمة المليك علامة     فوز أعز وخاتم مختوم
            أعطاك بعد محبة برهانه     شرفا ، وبرهان الإله عظيم

            المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب ، أبو سفيان :

            كان أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة ، أرضعته حليمة أياما ، وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشبه به ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه . وكان شاعرا ، فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للخروج إلى غزاة الفتح ألقى الله في قلبه الإسلام ، فجاء إلى زوجته وولده فقال: تهيؤوا للخروج فقد أظل قدوم محمد ، فقالوا له:

            آن لك أن تنصر العرب والعجم ، قد تبعت محمدا وأنت موضع في عداوته ، وكنت أولى الناس بنصرته ، فخرج يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نذر دمه ، فلقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتحول إلى الجانب الآخر فأعرض عنه ، فقال: أنا مقتول لا محالة ، فأسلم وخرج معه حتى شهد فتح مكة وحنينا .

            قال: فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا ، والله يعلم أني أريد الموت دونه ، وهو ينظر إلي ، فقال العباس: يا رسول الله ، هو أخوك وابن عمك ، أبو سفيان بن الحارث فارض عنه ، قال: "قد فعلت" ، فغفر الله له كل عداوة عادانيها ، ثم التفت إلي فقال: أخي ، لعمري ، فقبلت رجله في الركاب ، وقلت: لا تثريب ، قال: لا تثريب .

            حج أبو سفيان في هذه السنة ، فحلقه الحلاق بمنى وفي رأسه ثؤلول فقطعه ، فكان سبب موته .

            قال: لما حضر أبا سفيان بن الحارث الوفاة قال لأهله: لا تبكوا علي؛ فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت .

            قال علماء السير: مات أبو سفيان بالمدينة في هذه السنة . وقيل: بل مات في سنة عشرين ، وحفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام ، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، وهي الرميصاء :

            واختلفوا في اسمها ، فروى البغوي عن علي بن المديني ، قال: اسمها مليكة ، ولقبها الرميصاء . وقال غيره: اسمها سهيلة ، وقيل: رميلة ، وقيل: رميثة ، وقيل: أنيفة .

            تزوجها مالك بن النضر ، فولدت له أنس بن مالك ، ثم لقيه عدو فقتله ، فخطبها أبو طلحة .

            عن أنس ، قال: خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم ، فقالت: أما إني فيك لراغبة ، وما مثلك يرد ، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ، فإن تسلم فذاك مهري ، ولا أسألك غيره ، فأسلم أبو طلحة فتزوجها .

            عن أنس ، قال: جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أم سليم ، فقال: يا رسول الله ، ألم تر إلى أم سليم معها خنجر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تصنعين يا أم سليم"؟ قالت: أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته .

            عن أنس بن مالك ] ، قال: زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم سليم فصلى في بيتها تطوعا ، وقال: "يا أم سليم ، إذا صليت المكتوبة فقولي: سبحان الله عشرا ، والحمد لله عشرا ، والله أكبر عشرا ، ثم سلي الله ما شئت ، فإنه يقال لك: نعم نعم نعم" . عن عباية بن رفاعة ] ، عن أم سليم ، قالت: توفي ابن لي وزوجي غائب ، فقمت فسجيته في ناحية من البيت ، فقدم زوجي ، فتطيبت له ، فوقع علي ، ثم أتيته بطعام ، فجعل يأكل ، فقلت: ألا أعجبك من جيراننا ، قال: وما لهم؟ قلت: أعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا ، قال: بئس ما صنعوا ، فقلت: هو ابنك ، فقال: لا جرم ، لا تغلبيني على الصبر الليلة ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فقال: "بتما عروسين وهو إلى جانبكما ، اللهم بارك لهم في ليلتهم" ، فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرءوا القرآن . سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس -وهو الذي يقال له سعد القارئ - ، ويكنى أبا زيد .

            ويروي الكوفيون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابنه عمر بن سعد ، ولاه عمر على بعض الشام .

            وقتل سعد شهيدا يوم القادسية وهو ابن أربع وستين سنة مارية القبطية

            أهداها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوطئها بملك اليمين ،
            فولدت منه إبراهيم ، ومات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليها حتى توفي ، ثم أنفق عليها عمر رضي الله عنها ، فتوفيت في محرم هذه السنة ، فجمع عمر الناس لشهود جنازتها ، وصلى عليها ، وقبرها بالبقيع . البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام :

            أمه أم سليم بنت ملحان ، وهو أخو أنس لأبويه ، شهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان شجاعا ذا نكاية في الحروب ، وكان عمر يكتب: لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين ، إنه مهلكه ، يقدم بهم ، وإنه ركب فرسه يوم اليمامة ، وقال: يا أيها الناس ، إنها -والله- الجنة ، وما إلى المدينة [من] سبيل ، فمضغ فرسه مضغات ، ثم كبس وكبس الناس معه ، فهزم الله المشركين ، وكانت في مدينتهم ثلمة .

            عن محمد بن سيرين :

            أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين ، فقعد البراء بن مالك على ترس وقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم ، ففعلوا فأدركوه وقد قتل منهم خمسة عشر .

            عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين ، لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك" . وأن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجف المشركون في المسلمين ، فقالوا: يا براء ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنك لو أقسمت على الله لأبرك ، فاقسم على ربك ، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، فمنحوا أكتافهم . ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجفوا في المسلمين ، فقالوا: اقسم يا براء على ربك ، [فقال: أقسمت عليك يا ربي] لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمنحوا أكتافهم ، وقتل شهيدا .

            قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا آنفا أنه قتل يوم تستر [ حدير :

            جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم في بعض الأيام قسما ونسي حديرا ، فنزل جبريل فقال: يا محمد ، نسيت حديرا ، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طلبه ، قال الذي ذهب في طلبه: فأدركته وهو يقول: سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فقلت: يا هذا ، ارجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد عوتب فيك ، فقال: يا من لم تنس حديرا اجعل حديرا لا ينساك .

            عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث جيشا فيهم رجل يقال له: حدير ، وكانت تلك السنة قد أصابتهم شدة من قلة الطعام ، فزودهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونسي أن يزود حديرا ، فخرج حدير صابرا محتسبا وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول: نعم الزاد هو يا رب ، فهو يرددها وهو في آخر الركب .

            قال: فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال له: إن ربي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديرا ، وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول: نعم الزاد هو يا رب . قال: وكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض فابعث إليه بزاد ، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا فدفع إليه الزاد ، حفظ عليه ما يقول ، ويقول له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ، ويخبرك أنه كان نسي أن يزودك ، وإن ربي تبارك وتعالى أرسل إلي جبريل يذكرني بك ، فذكره جبريل وأعلمه مكانك . قال: فانتهى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ويقول: نعم الزاد هذا يا رب . قال: فدنا منه ثم قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ، وقد أرسلني إليك بزاد ويقول: إنما نسيتك فأرسل إلي جبريل من السماء يذكرني بك .

            قال: فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين ، ذكرني ربي من فوق سبع سماوات وفوق عرشه ورحم جوعي وضعفي ، يا رب كما لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك .
            قال: فحفظ ما قال فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما سمع منه حين أتاه ، وبما قال حين أخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أما إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه نورا ساطعا ما بين السماء والأرض" [ عتبة بن مسعود بن حبيب ، أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمه:

            وكان قديم الإسلام بمكة ، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، ثم قدم فشهد أحدا والمشاهد بعدها ، ومات في خلافة عمر ، وصلى عليه] ومات في خلافة عمر ، وصلى عليه] .

            206 - عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن حطمة ، وهو عمير القاري :

            وكان قديم الإسلام ضرير البصر ، وكانت عصماء بنت مروان تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحرض عليه وتعيب الإسلام وتقول في ذلك الشعر ، فلما غاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر نذر عمير إن الله رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سالما أن يقتل عصماء ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بدر أتاها عمير في جوف الليل فقتلها ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينتطح فيها عنزان" . وكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي" . وكان عمير يؤذن لقومه [ عدي بن أبي الزغباء ، واسم أبي الزغباء سنان بن سبيع :

            بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع بسبس بن عمرو الجهني طليعة يتجسسان خبر العير ، فوردا بدرا فوجدا العير قد مرت وفاتتهما - فرجعا فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

            وشهد عدي بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

            وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وليس له عقب . الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن جشم :

            عمر في الجاهلية طويلا ، وأدرك الإسلام ، فحسن إسلامه ، وهاجر ، ثم كان ممن توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص ، فاستشهد في وقعة نهاوند ، فقبره هناك مع قبور الشهداء ، وهو أول من رجز الأراجيز ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد كتب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة : أن استنشد من قبلك من الشعراء ما قالوه في الإسلام ، فقال لبيد: أبدلني الله سورة البقرة مكان الشعر ، وجاء الأغلب بن المغيرة ، فقال:


            أرجزا تريد أم قصيدا     لقد سألت هينا موجودا

            فكتب المغيرة بذلك إلى عمر ، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد ، [فكتب الأغلب إلى عمر: أتنقص عطائي أن أطعتك ، فرد عليه خمسمائة وأقرها في عطاء لبيد] صفوان بن المعطل بن رخيصة أبو عمرو الذكواني السلمي :

            أسلم قبل غزوة المريسيع ، وشهدها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهد الخندق والمشاهد بعدها ، قتل يوم أرمينية ، وقيل: مات بشميشاط سنة ستين . طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان :

            وكان طليحة يعد بألف فارس؛ لشدته وشجاعته وبصره بالحرب .

            وفد طليحة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع في جماعة فأسلموا ، ثم ارتدوا ، وادعى النبوة -على ما سبق شرحه- فلما أوقع بهم خالد بن الوليد ببزاخة هرب طليحة حتى قدم الشام ، فأقام حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه ، ثم خرج محرما بالحج ، وقدم مكة ، فلما رآه عمر قال: يا طليحة ، لا أحبك بعد قتل الرجلين الصالحين: عكاشة بن محصن ، وثابت بن أقرم -وكانا طليعتين لخالد بن الوليد فلقيهما طليحة وأخوه سلمة فقتلاهما- فقال طليحة : يا أمير المؤمنين ، رجلان أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما . فأسلم إسلاما صحيحا ، وشهد القادسية ونهاوند ، وكتب عمر رضي الله عنه:

            شاوروا طليحة في حربكم ولا تولوه شيئا ، وقتل بنهاوند . عمرو بن معديكرب بن عبيد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد ، أبو ثور الزبيدي :

            كان فارسا شجاعا شاعرا ، له في الجاهلية الغارات العظيمة والوقائع العجيبة ، وكان على سيفه مكتوب:


            ذكر على ذكر يصول بصارم     ذكر يمان في يمين يماني

            كان عمرو لقي حيي الكندية بذي المجاز -وهي سوق عرفات- فأعجبه جمالها وعقلها ، فعرض عليها نفسه وقال: هل لك في كفؤ كريم ضروب لهام الرجال غشوم موات ، لك طيب الجسم من سعد العشيرة في الصميم ، قالت: أمن سعد العشيرة؟ قال: من سعد العشيرة في أرومة محتدها وعزتها المنيرة ، إن كنت بالفرصة بصيرة ، قالت: إن لي بعلا يصدق اللقاء ، ويخيف الأعداء ، ويجزل العطاء ، قال: لو علمت أن لك بعلا ما سمتك نفسك ولا عرضت نفسي عليك ، فكيف أنت إن قتلته؟ قالت: لا أصيف عنك ولا أعدل بك ولا أقصر دونك ، وإياك أن يغرك قولي فتعرض نفسك للقتل ، فإني أراك مفردا من الناصر والأهل ، وصاحبي في عزة من الأهل وكثرة المال ، فانصرف عنها عمرو ، وجعل يتبعها وهي لا تعلم ، فلما قدمت على زوجها سألها عما رأت في طريقها ، فقالت: رأيت رجلا مخيلا للناس يتعرض للقتال ، ويخطب حلائل الرجال ، فعرض نفسه علي فوصفتك له . فقال زوجها: ذاك عمرو ، ولدتني أمه إن لم أتك به مقرونا مجنونا إلى حمل صعب المراس غير ذلول .

            فلما سمع عمرو كلامه دخل عليه بغتة فقتله ، ووقع عليها ، فلما قضى وطره منها قال لها: إني لم أقع على امرأة قط -في جماعي إلا حملت ، ولا أراك إلا قد فعلت ، فإن رزقت غلاما فسميه الخزر ، وإن رزقت جارية فسميها عكرشة ، وجعل ذلك بينهما أمارة ، ثم مضى لطيبه ، ثم خرج يوما يتعرض للقتال ، فإذا هو برجل على فرس شاكي السلاح ، فدعاه عمرو للمبارزة ، فلما اتحدا صرع الفتى عمرا وجلس على صدره يريد ذبحه ، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عمرو ، فقام الفتى عن صدره وقال: أنا ابنك الخزر ، فقال له عمرو: سر إلى صنعاء ولا تنافني في بلد ، فلم يلبث أن ساد من هو بين ظهريه ، فاستنفروه وأمروه بقتال أبيه ، وشكوا إليه غارات عمرو عليهم ، فالتقيا فقتله عمرو .

            [وروى عباس بن هشام بن محمد الكلبي ، قال: حدثني] أبو المنذر ، عن أبيه ، قال: لما انتهى خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمرو بن معديكرب قال لقيس بن مكشوح : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لي أمر هذا القرشي الظاهر بالحجاز الذي يزعم أنه نبي فانطلق بنا إليه فلنعلم علمه ، فإن كان نبيا كما يقول لم يخف علينا أمره ، فأبى قيس وسفه رأيه ، فركب عمرو راحلته مع وفد من بني زبيد ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

            قال عمرو: فوافيته قافلا من غزوة تبوك ، فذهبت أتقدم إليه فمنعت من ذلك حتى أذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: خلوا سبيل الرجل ، فأقبلت حتى دنوت منه ، فقلت له: أنعم صباحا أبيت اللعن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عمرو ، إن لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على الذين لا يؤمنون ، فآمن بالله ورسوله يؤمنك الله يوم الفزع الأكبر" . قال عمرو: ما الفزع؟ فإني لا أفزع من شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه ليس بما ترى وتحسب ، إنه إذا كان يوم الفزع الأكبر صيح بالناس صيحة لا يبقى ذو روح إلا مات ، ولا ميت إلا نشر ، وما شاء الله من ذلك ، وتلج تلك الصيحة حتى تدور منها الأرض ، وتخر منها الجبال ، وتنشق منها السماء ، وتبرز النار ، لها لسانان ترمي بشرر مثل أفلاق الجبال ، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه ، وذكر ذنبه ، فأين أنت من الفزع يا عمرو؟ " . قال عمرو: لا أين يا رسول الله . قال: "فأسلم إذن" قال عمرو: فأسلمت .


            قال علماء السير: أسلم عمرو ، وسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنه ، ثم ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم عاد إلى الإسلام ، وبعثه عمر إلى سعد بن أبي وقاص بالقادسية ، وكتب إليه: قد أمددتك بألفي رجل: عمرو بن معديكرب ، وطليحة بن خويلد ، فشاورهما في الحرب ولا تولهما شيئا ، فأبلى عمرو يومئذ بلاء حسنا . قال عمرو: وكانت خيل المسلمين تنفر من الفيلة يوم القادسية ، وخيل الفرس لا تنفر ، فأمرت رجلا فترس عني ثم دنوت من الفيل وضربت خطمه فقطعته ، [فنفر] ونفرت الفيلة فحطمت العسكر ، وألح المسلمون عليهم حتى انهزموا ، وكان لعمرو يومئذ من العمر ثلاثون ومائة سنة .

            وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل عمرو بن معديكرب عن أشياء ، فسأله عن الحرب ، فقال: مرة المذاق إذا كشفت عن ساق ، من صبر فيها عرف ، ومن ضعف فيها تلف . وسأله عن السلاح ، فقال: ما تقول في الرمح؟ فقال: أخوك وربما خانك ، قال: فالنبل؟ قال: منايا تخطئ وتصيب ، قال: فالدرع؟ قال: مشغلة للفارس متعبة للراجل ، وإنه لحصن حصين ، قال: فالترس؟ قال: هو المجن عليه تدور الدوائر ، قال: فالسيف؟ قال: عندها فارتقتك أمك عن الثكل ، فقال له عمر: بل أمك ، قال: بل أمي والحمى أضرعتني لك ، وهذا مثل معناه: أن الإسلام أذلني ولو كنت في الجاهلية لم تجسر أن ترد علي .

            وقال له يوما: حدثني عن أشجع من لقيت ، وأجبن من لقيت . فقال: ما

            عن الشعبي ، قال:

            دخل عمرو بن معديكرب يوما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال له: يا عمرو ، أخبرني عن أشجع من لقيت ، وأحيل من لقيت ، وأجبن من لقيت ، قال: نعم يا أمير المؤمنين .

            خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا أسير إذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا رجل جالس ، و [إذا] هو كأعظم ما يكون من الرجال خلقة ، وهو مجتب بسيف ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا عمرو بن معديكرب ، فشهق شهقة فمات ، فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين .

            وخرجت يوما آخر حتى انتهيت إلى حي ، فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، قال: من أنت؟



            قلت: أنا عمرو بن معديكرب ، فقال: يا أبا ثور ، ما أنصفتني ، أنت على ظهر فرسك ، وأنا في بئر ، فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري ، فأعطيته عهدا ألا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره ، فخرج من الموضع الذي كان فيه ، ثم اجتبى بسيفه وجلس ، فقلت: ما هذا؟ قال: ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك ، فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت .

            ثم إني خرجت يوما آخر حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه ، فلم أر أحدا فأجريت فرسي يمينا وشمالا ، فإذا أنا بفارس ، فلما دنا مني إذا هو غلام وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم ، وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة ، فلما قرب مني سلم ، فرددت عليه وقلت: من الفتى؟ فقال: الحارث بن سعد فارس الشهباء ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، فمضى ولم يلتفت إلي فقلت له: يا فتى خذ حذرك فإني قاتلك .

            قال: الويل لك ، من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معديكرب ، قال: الحقير الذليل ، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك ، قال: فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي ما استقبلني به ، فقلت له: خذ حذرك ، فوالله لا ينصرف إلا أحدنا ، قال: اغرب ثكلتك أمك فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط ، فقلت: هو الذي نسمع ، فاختر لنفسك ، فقال: إما أن تطرد لي أو أطرد لك ، فاغتممتها منه فقلت: اطرد لي ، فاطرد وحملت عليه حتى إذا قلت إني قد وضعت الرمح بين كتفيه إذا هو قد صار حزاما لفرسه ثم اتبعني فقرع بالقناة رأسي وقال: يا عمرو خذها إليك واحدة ، فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فتصاغرت إلي نفسي وكان الموت والله يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت ، فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فقال: اختر لنفسك ، فقلت: اطرد لي فاطرد ، فظننت أني قد تمكنت منه ، فاتبعته حتى إذا ظننت أني قد وضعت الرمح بين كتفيه ، فإذا هو قد صار لببا لفرسه ، ثم اتبعني فقرع رأسي بالقناة وقال: يا عمرو خذها إليك اثنتين فتصاغرت إلي نفسي فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فقال: اختر لنفسك ، فقلت: اطرد لي ، فاطرد حتى إذا قلت وضعت الرمح بين كتفيه ، وثبت عن فرسه ، فإذا هو على الأرض فأخطأته ومضيت فاستوى على فرسه فاتبعني فقرع رأسي بالقناة ، وقال: يا عمرو خذها إليك ثلاثا ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فقلت له: اقتلني أحب إلي مما أرى بنفسي وأن يسمع فتيان العرب هذا ، فقال لي: يا عمرو ، إنما العفو ثلاث مرات



            إني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك ، وأنشأ يرتجز ويقول:


            وكدت أغلاظا من الإيمان     إن عدت يا عمرو إلى الطغيان
            لتوجزن لهب الشبان     وإلا فلست من بني شيبان

            فلما قال هذا هبته هيبة شديدة ، وقلت له: إن بي إليك حاجة ، قال: وما هي؟

            قلت: أكون لك صاحبا ، ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين ، قال: لست من أصحابي ، وكان ذلك والله أشد وأعظم مما صنع ، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: ويحك وهل تدري أين أريد؟ قلت: لا ، قال: أريد الموت عيانا ، فقلت: رضيت بالموت معك ، قال: امض بنا فسرنا جميعا يوما حتى جننا الليل وذهب شطره ، فوردنا على حي من أحياء العرب ، فقال لي: يا عمرو ، في هذا الحي الموت ، وأومأ إلى قبة في الحي ، فقال: وفي تلك القبة الموت الأحمر ، فإما أن تمسك علي فرسي فأنزل فآتي بحاجتي ، وإما أن أمسك عليك فرسك وتأتيني بحاجتي ، فقلت: لا بل انزل ، فأنت أعرف بموضع حاجتك ، فرمى إلي بعنان فرسه ونزل ، ورضيت والله يا أمير المؤمنين أن أكون له سائسا ، ثم مضى حتى دخل القبة فاستخرج منها جارية لم تر عيناي قط مثلها حسنا وجمالا ، فحملها على ناقة ثم قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ، قال: إما أن تحميني وأقود أنا ، وإما أن أحميك وتقود أنت ، قلت: لا بل تحميني وأقود أنا ، فرمى إلي بزمام ناقته ثم سرنا بين يديه وهو خلفنا ، حتى إذا أصبحنا قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ما تشاء ، قال: التفت فانظر هل ترى أحدا؟ فالتفت فقلت: أرى جمالا ، قال: اغذذ السير ، ثم قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ، قال: انظر فإن كان القوم قليلا فالجلد والقوة وهو الموت ، وإن كانوا كثيرا فليسوا بشيء ، قال: فالتفت فقلت: هم أربعة أو خمسة ، قال: أغذ السير ، ففعلت وسمع وقع الخيل عن قرب ، فقال لي: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجوه دوابنا [إلى الطريق] ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ، ووقف هو عن يسارها ، ودنا القوم منا فإذا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ كبير ، وهو أبو الجارية ، وأخواها غلامان شابان ، فسلموا فرددنا السلام ووقفوا عن يسار الطريق ، فقال



            الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي ، فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها ، فقال لأصغر ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه ، وحمل عليه الحارث وهو يرتجز ويقول:


            من دون ما ترجوه? خضب الذابل     من فارس مستكتم مقاتل
            ينمي إلى شيبان خير وابل     ما كان سيري نحوها بباطل

            ثم شد عليه فطعنه طعنة دق منها صلبه فسقط ميتا . فقال الشيخ لابنه الآخر:

            اخرج إليه يا بني فلا خير في الحياة على الذل ، فخرج إليه فأقبل الحارث يرتجز ويقول:


            لقد رأيت كيف كانت طعنتي      [والطعن] للقرن شديد بهمتي
            والموت خير من فراق خلتي     فقتلي اليوم ولا مذلتي

            ثم شد عليه فطعنه طعنة سقط منها ميتا ، فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت ، قال: ما كنت لأخليها ولا لهذا قصدت ، فقال الشيخ: اختر يا ابن أخي ، فإن شئت طاردتك ، وإن شئت نازلتك ، قال: فاغتنمها الفتى فقال: نازلني ، ثم نزل ونزل الشيخ وهو يرتجز ويقول:


            ما أرتجي عند فناء عمري     سأجعل السنين مثل الشهر
            شيخ يحامي دون بيض الخدر     إن استباح البيض قصم الظهر

            سوف ترى كيف يكون صبري

            فأقبل إليه الحارث وهو يرتجز ويقول:


            بعد ارتحالي وطويل سفري     وقد ظفرت وشفيت صدري
            والموت خير من لباس الغدر     والعار أهديه لحي بكر

            ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك ، فإن بقيت فيك قوة ضربتني ، وإن شئت فاضربني فإن بقيت في قوة ضربتك ، فاغتنمها الفتى فقال: أنا أبدأ أول ، قال: هات ، فرفع الحارث السيف ، فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه ضربة قد منها أمعاءه ، ووقعت ضربة الحارث في رأسه فسقطا ميتين ، فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف ، ثم أقبلت إلى الناقة ، فقدت أعنة الأفراس بعضها إلى بعض وجعلت أقودها ، فقالت لي الجارية: يا عمرو ، إلى أين ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت ، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم ، فقلت: اسكتي ، قالت: فإن كنت صادقا فأعطني رمحا أو سيفا فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك ، فقلت لها: ما [أنا] بمعطيك ذلك وقد عرفت أصلك وجرأة قومك وشجاعتهم ، فرمت بنفسها عن البعير ثم أقبلت إلي وهي ترتجز وتقول:


            أبعد شيخي وبعد أخوتي     أطلب عيشا بعدهم في لذتي

            هلا يكون قبل ذا منيتي

            ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنتزعه من يدي ، فلما رأيت ذلك منها خفت إن هي ظفرت بي أن تقتلني فقتلتها .

            فهذا أشد ما رأيت يا أمير المؤمنين ، فقال عمر: صدقت .

            قال علماء السير: قتل النعمان وطليحة وعمرو بن معديكرب يوم نهاوند وقبورهم هناك .

            وقال بعض العلماء: دفن عمرو بن معديكرب بروذة وهي بين قم والري ، وهناك مات .

            ورثته امرأة فقالت:


            لقد غادر الركب الذين تحملوا     بروذة شخصا لا ضعيفا ولا غمرا
            فقل لزبيد بل لمذحج كلها     فقدتم أبا ثور سنانكم عمرا
            وإن تجزعوا لم يغن ذلك عنكم     ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا

            وقيل: إنه بقي إلى خلافة عثمان . وقيل: أدرك خلافة معاوية ، والأول أصح عياش بن [أبي] ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم :

            أمه أسماء بنت مخرمة ، أم أبي جهل ، فهو أخو أبي جهل لأمه . أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، ثم قدم مكة ، ثم هاجر إلى المدينة وصاحب عمر بن الخطاب ، فلما نزل قباء قدم عليه أخواه لأمه ، أبو جهل والحارث ابنا هشام ، فلم يزالا به حتى رداه إلى مكة فأوثقاه وحبساه ، ثم أفلت فقدم المدينة ، فلم يزل بها . فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الشام مجاهدا ، ثم عاد إلى مكة ، فتوفي بها . رحمه الله النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن عمرو :

            شهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ستة إخوة له ، النعمان ، وسويد ، وسنان ، ومعقل ، وعقيل ، وعبد الرحمن .

            وكان النعمان يحمل أحد ألوية مزينة الثلاثة يوم الفتح ، وكان أمير الناس يوم نهاوند ، وعلى ميمنته الأشعث بن قيس ، وعلى ميسرته المغيرة بن شعبة .

            وكان النعمان أول قتيل قتل يومئذ . أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس .

            كان أبوه شريفا في الجاهلية ، رئيس الأوس يوم بعاث ، وكان أسيد بعد أبيه شريفا في قومه ، يعد من ذوي العقول والآراء ، وكان يكتب بالعربية ، ويحسن العوم والرمي ، وكان في الجاهلية يسمون من جمع فيه هذه الخصال: "الكامل" . وأسلم هو وسعد بن معاذ على يدي مصعب بن عمير في يوم واحد ، وشهد أسيد العقبة الأخيرة مع السبعين ، وكان أحد النقباء الاثني عشر ، ولم يشهد بدرا لأنه لم يظن أنه يجري قتال ، وشهد أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرح بسبع جراحات ، وشهد الخندق والمشاهد بعده .

            عن أنس قال: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة مظلمة حندس ، فتحدثا عنده حتى إذا خرجا أضاءت لهما عصا ، فمشيا في ضوئها ، فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه ، فمشى في ضوئها . أخرجه البخاري .

            توفي أسيد [بن حضير] في شعبان في هذه السنة ، فصلى عليه عمر بالبقيع بلال بن رباح ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ويكنى أبا عبد الله .

            من مولدي السراة ، واسم أمه حمامة ، وكان أدم شديد الأدمة ، نحيفا ، طوالا ، أحنى ، أشفر ، [له شعر كثير] ، خفيف العارضين ، به سمط كثير لا يغير .

            وقال علماء السير: شهد بلال بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن يوم الفتح على ظهر الكعبة ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية قاعدان ، فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الحبشي ، فقال الآخر: إن يكرهه الله يغيره .

            ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بلال يؤذن ، فإذا قال: "أشهد أن محمدا رسول الله" انتحب الناس ، فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له أبو بكر: أذن . فقال له: إن كنت إنما أعتقتني لأن أكون معك ، فسبيل ذلك ، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له .

            فقال: ما أعتقتك إلا لله . قال: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال: فذاك إليك . قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام ، فسار معهم .

            وقيل: إنما أقام حياة أبي بكر ، فلما ولي عمر رحل [إلى] الشام ، فمات هناك في هذه السنة . وهو ابن بضع وستين سنة .

            خويلد بن مرة - خويلد بن مرة ، أبو خراش الهذلي .

            شاعر مجيد من شعراء هذيل ، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم ، ولم أر أحدا ذكره في الصحابة ، وعاش بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات في خلافة عمر ، نهشته أفعى فمات ، وكان إذا عدا سبق الخيل .

            قال الأصمعي: حدثني رجل من هذيل قال: دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة ، فقال للوليد: ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت ذلك فهما لك . فأرسلا وعدا بينهما فسبقهما وأخذهما .

            زينب بنت جحش زينب بنت جحش

            تزوجها زيد بن حارثة ثم طلقها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة أربع ، وبسببها نزلت آية الحجاب ، وكانت تفخر على النساء فتقول: زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، ولما نزل قوله عز وجل: زوجناكها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا إذن ، وكانت تعمل بيدها وتتصدق .

            عن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء بعث عمر رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش بالذي لها ، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لعمر ، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني . قالوا: هذا كله لك . فقالت: سبحان الله . واستترت دونه بثوب وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا . وقالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة ، فاذهبي بها إلى فلان وإلى فلان من أيتامها وذوي رحمها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية فقالت لها برزة: غفر الله لك ، والله لقد كان لنا في هذا حظ ، قالت: فلكم ما تحت الثوب . قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهما ، ثم رفعت يديها فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا ، فماتت [قبل الحول] .

            عن الزهري ] ، عن سالم ، عن أبيه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس مع نسائه: "أطولكن [باعا] أسرعكن لحوقا بي" ، فكن يتطاولن إلى الشيء ، إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الصدقة . وكانت زينب امرأة صناعا ، وكانت تتصدق به ، وكانت أسرع نسائه به لحوقا .

            عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى على زينب بنت جحش سنة عشرين ، في يوم صائف ، ورأيت ثوبا مد على قبرها وعمر قائم ، والأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيام ، فأمر عمر محمد بن عبد الله بن جحش ، وأسامة بن زيد ، وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش ، ومحمد بن طلحة -وهو ابن أختها- فنزلوا من قبرها .

            قالوا: وتوفيت بنت ثلاث وخمسين سنة

            222 - سعيد بن عامر سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان .

            أسلم قبل خيبر ، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما بعدها .

            عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر إلى سعيد بن عامر فقال: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم . فقال: يا عمر ، لا تفتني ، فقال عمر: والله لا أدعكم ، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مني ، إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم ، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم ولا تنتهك أعراضهم ، ولكن تجاهد بهم عدوهم وتقسم بينهم فيهم . فقال: اتق الله يا عمر ، أحب لأهل الإسلام ما تحب لنفسك ، وحض العمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا تخش في الله لومة لائم . فقال عمر: ويحك يا سعيد ، ومن يطق هذا؟ فقال: من وضع الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك ، إنما عليك أن تأمر فيطاع أمرك ، أو تترك فيكون لك الحجة .

            فقال عمر: إنا سنجعل لك رزقا . قال: لقد أعطيت ما يكفيني دونه -يعني عطاءه- وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئا . قال: وكان إذا خرج عطاؤه نظر إلى قوت أهله من طعامهم وكسوتهم وما يصلحهم فيعزله ، وينظر إلى بقيته فيتصدق به ، فيقول أهله: أين بقية المال؟ فيقول: أقرضته . قال: فأتاه نفر من قومه ، فقالوا: لولا أن لأهلك عليك حقا وإن لأصهارك عليك حقا ، وإن لقومك عليك حقا . فقال: ما استأثر عليهم أن يرى لمع أيديهم ، وما أنا بطالب أو ملتمس رضى أحد من الناس بطلبي الحور العين ، الذي لو اطلعت واحدة منهن لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس ، وما أنا بمستخلف عن العتق الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "يجيء فقراء المهاجرين يزفون كما يزف الحمام ، قال: فيقال لهم: قفوا للحساب . فيقولون: والله ما تركنا شيئا يحاسب به . فيقول الله عز وجل: صدق عبادي . فيدخلون الجنة [قبل الناس] بسبعين عاما" . عن خالد بن معدان] قال: استعمل عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن حذيم ، فلما قدم عمر حمص قال: يا أهل حمص ، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه ، وكان يقال لحمص "الكويفة" الصغرى لشكايتهم العمال ، قالوا: فشكوا أربعا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار . قال: أعظم بها . قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدا بالليل . قال: وعظيمة . قال: وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا ، قال: وعظيمة . قال: وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام -أي: تأخذه موتة- قال: فجمع عمر بينهم وبينه ، وقال: اللهم لا يقبل رأي فيه اليوم ، ما تشكون منه . قال: ولا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار .

            قال: والله إن كنت لأكره ذكره؛ ليس لي ولأهلي خادم فأعجن عجيني ، ثم أجلس حتى يختمر ، ثم أخبز خبزي ، ثم أتوضأ ، ثم أخرج إليهم . فقال: ما تشكون منه؟ فقالوا: لا يجيب أحدا بالليل . قال: ما يقولون؟ قال: إن كنت لأكره ذكره؛ إني جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل . قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه .

            قال: ما يقولون؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها ، فأجلس حتى تجف ، ثم أدلكها ، ثم أخرج إليهم من آخر النهار . قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام . قال: ما يقولون؟ قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة ، وقد بضعت قريش لحمه ، ثم حملوه على جدعه ، فقالوا: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي ، وأن محمدا أشيك بشوكة . ثم نادى: يا محمد . ما ذكرت ذلك اليوم ، وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبدا ، فتصيبني تلك الغبطة . فقال عمر: الحمد لله الذي لم يقبل فراستي . فبعث إليه بألف دينار ، وقال: استعن بها على أمرك . فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك . فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما يكون إليها . قالت: نعم . فدعا رجلا من أهله يثق به ، فصررها صررا ، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان ، وإلى يتيم آل فلان ، وإلى مسكين آل فلان ، وإلى مبتلى آل فلان ، فبقيت منها ذهبية ، فقال: أنفقي هذه . ثم عاد إلى عمله . فقالت: ألا تشتري لنا خادما ، ما فعل ذلك المال؟! قال: سيأتيك أحوج ما تكونين .

            .

            عياض بن غنم عياض بن غنم بن زهير الفهري

            شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحضر فتح المدائن مع سعد بن أبي وقاص ، وفتح فتوحا كثيرة ببلاد الشام ، ونواحي الجزيرة ، ولما احتضر أبو عبيدة بالشام ولى عياض بن غنم عمله ، فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعثه سعد إلى الجزيرة ، فنزل بجنده على الرها ، فصالحه أهلها على الجزية ، وصالحت حران حيث صالحت الرها ، فكان فتح الجزيرة ، والرها ، وحران ، والرقة على يده في سنة ثمان عشرة ، وكتب لهم كتابا ، وكان جوادا ، فقيل لعمر: إنه يبذر المال . فقال: إن سماحه في ذات يده ، فإذا بلغ مال الله لم يعط منه شيئا ، فلا أعزل من ولاه أبو عبيدة .

            عن الزبير بن بكار قال: كان عياض بن غنم شريفا ، وله فتوح بنواحي الجزيرة . في زمان عمر ، وهو أول من أجاز الدرب إلى أرض الروم] .

            عن موسى ?ن عقبة قال: لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ، فلقيهم بالبشر وأنزلهم وأكرمهم ، فأقاموا أياما ، ثم كلموه في الصلة ، وأخبروه بما لقوه من المشقة في السفر رجاء صلته ، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير ، وكانوا خمسة ، فردوها وتسخطوا ونالوا منه فقال: أي بني عم ، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ، ولكن -والله- ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه ، فاعذروا . قالوا: والله ما عذرك الله؛ فإنك والي نصف الشام ، وتعطي الرجل منا ما جهده يبلغه إلى أهله . قال: فتأمرونني أن أسرق مال الله ، فوالله لئن أشق بالمنشار أحب إلي من أن أخون فلسا أو أتعدى . قالوا: عذرناك في ذات يدك ، فولنا أعمالا من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ، ونصيب من المنفعة ما يصيبون ، فأنت تعرف حالنا ، وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا . قال: والله لأني أعرفكم بالفضل والخير ، ولكن يبلغ عمر أني وليت نفرا من قومي فيلومني . قالوا: فقد ولاك أبو عبيدة وأنت منه في القرابة بحيث أنت ، فأنفذ ذلك عمر ، فلو وليتنا أنفذه . قال: إني لست عند عمر كأبي عبيدة . فمضوا لائمين له .

            ومات ولا مال له ، ولا عليه دين لأحد ، سنة [عشرين] وهو ابن ستين سنة

            مالك بن التيهان مالك بن التيهان ، أبو الهيثم

            كان يكره الأصنام في الجاهلية ، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة ، وكان أول من أسلم من الأنصار الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ، ثم شهد العقبة مع السبعين ، وهو أحد النقباء الاثني عشر ، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر خارصا .

            هرقل ملك الروم وتوفي بالمدينة في هذه السنة

            225 - هرقل ملك الروم

            وقد سبقت أخباره ومكاتبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إياه ، وغير ذلك .

            مات في هذه السنة ، وولي مكانه ابنه قسطنطين .

            أم ورقة بنت الحارث 226 - أم ورقة بنت الحارث

            أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت قد جمعت القرآن ، وأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تؤم أهل دارها ، فكانت تؤمهم .

            وعن الوليد بن جميع قال:

            حدثتني جدتي عن أمها أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية -وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويسميها الشهيدة ، وكانت قد جمعت القرآن ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين غزا بدرا قالت له: ائذن لي فأخرج معك وأداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي الشهادة . قال: "إن الله عز وجل مهد لك الشهادة" حتى عدا عليها جارية وغلام لها كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله عنه ، فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة" . جعال بن سراقة الضمري

            ويقال: جعيل ، وغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه فسماه عمر ، وكان دميما قبيح الخلق ، إلا أنه كان رجلا صالحا ، أسلم قديما ، وشهد أحدا والمشاهد بعدها ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيرا إلى المدينة بسلامتهم في غزاة ذات الرقاع ، ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غنائم حنين قال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله ، أعطيت الأقرع ، وعيينة وتركت جعيلا؟! فقال: "والذي نفسي بيده ، لجعيل خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع ، ولكني تألفتهما ليسلما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه" حممة

            وعن محمد بن سعد ، قال: قال حميد بن عبد الرحمن ] كان رجل يقال له حممة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى أصبهان غازيا ، وفتحت في خلافة عمر ، فقال: اللهم إن حممة يزعم أنه يحب لقاءك ، فإن كان صادقا فاعزم عليه بصدقه ، وإن كان كاذبا فاعزم له عليه ، وإن كره ، اللهم لا ترد حممة في سفره هذا . فمات بأصبهان ، فقام أبو موسى فقال: ألا إنا والله ما سمعنا من نبيكم ، وما بلغ علمنا إلا أن حممة شهيد . رحمه الله . خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أبو سليمان ، رضي الله عنه

            وأمه عصماء ، وهي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حرب ، وهي أخت أم الفضل بنت الحارث بن عبد المطلب أم بني العباس بن عبد المطلب [رضي الله عنه] .

            قال علماء السير: دخل خالد بن الوليد ] يوم الفتح من الليط ، فوجد جميعا من قريش يمنعونه الدخول ، فقاتلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألم أنه عن القتال؟" فقيل: خالد قوتل فقاتل . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قضاء الله خير" . وخرج خالد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حنين ، وإلى تبوك ، ثم بعثه إلى أكيدر دومة ، وخرج معه في حجة الوداع ، فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه أعطاه ناصيته ، فكانت في مقدمة قلنسوته ، فكان لا يلقى أحدا إلا هزمه . وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "سيف الله" .

            ، وكان شجاعا ، فكان يقول: لا أدري من أي يومي أفر ، من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه شهادة ، أو من يوم أراد أن يهدي لي فيه كرامة .

            عن سالم قال: حج عمر ، واشتكى خالد بعده وهو خارج من المدينة زائرا لأمه ، فقال لها: أحدروني إلى مهاجري ، فقدمت به المدينة ومرضته ، فلما ثقل وأظل قدوم عمر لقيه لاق على مسيرة ثلاث ، صادرا عن حجه ، فقال له عمر: مهيم . فقال: خالد بن الوليد ثقيل لما به . فطوى ثلاثا في ليلة ، فأدركه حين قضى ، فرق عليه واسترجع ، وجلس ببابه حتى جهز ، وبكته البواكي ، فقيل لعمر: ألا تسمع؟! ألا تنهاهن؟ فقال: وما على قريش أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة -النقع: الشق . واللقلقة: الصوت]- فلما أخرج بجنازته رأى عمر امرأة محتزمة تبكيه وتقول:


            أنت خير من ألف ألف من النا     س إذا ما كبت وجوه الرجال
            أشجاع فأنت أشجع من ليـ     ـث عرين جهم أبي أشبال
            أجواد فأنت أجود من سيـ     ـل دياس يسيل بين الجبال

            فقال عمر: من هذه؟ فقيل: أمه . فقال: أمه والإله -ثلاثا- هل قامت النساء عن مثل خالد .

            وكان عمر يتمثل في طيه تلك الثلاث في ليلة وبعد ما قدم:


            تبكي ما وصلت به الندامى     ولا تبكي فوارس كالجبال
            أولئك إن بكيت أشد فقدا     من الأذهاب والعكر الجلال
            تمنى بعدهم قوم مداهم     فلم يدنوا لأسباب الكمال

            وهذا الحديث يدل على أنه مات بالمدينة .

            وقال الواقدي : مات بحمص ، ودفن في قرية على ميل من حمص . قالوا: ووصى إلى عمر ، فقدم عليه بالوصية فقبلها .

            عن عبد الرحمن بن] أبي الزناد : أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال: لقد لقيت كذا وكذا زحفا ، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف ، أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي ، كما يموت العير ، فلا نامت عين الجبناء . عويم بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن عجلان

            شهد أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما قدم من تبوك رمى امرأته بشريك بن سحماء ، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما في مسجده بعد العصر ، قائمين عند المنبر ، وذلك من شعبان سنة تسع ، فلما ولدت جاءت به أشبه الناس بشريك بن سحماء ، وكان قوم عويم قد لاموه فيما قال ، فلما رأوه يشبه شريكا عذروه فيما قال . وعاش المولود سنتين ثم مات ، وعاشت أمه بعده يسيرا ، وكان شريك عند الناس بحال سوء بعد ، وقد شهد شريك أحدا أيضا . أبان بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي أبو الوليد المكي ، صحابي جليل ، وهو الذي أجار عثمان بن عفان يوم الحديبية حتى دخل مكة لأداء رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسلم بعد مرجع أخويه من الحبشة ; خالد وعمرو ، فدعواه إلى الإسلام فأجابهما ، وساروا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر ، وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع على البحرين وقتل بأجنادين .

            أنسة مولى رسول الله أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : المشهور أنه قتل ببدر فيما ذكره البخاري وغيره . وزعم الواقدي فيما نقله عن أهل العلم أنه شهد أحدا ، وأنه بقي بعد ذلك زمانا قال : وحدثني ابن أبي الزناد عن محمد بن يوسف ، أن أنسة مات في خلافة أبي بكر الصديق ، وكان يكنى أبا مسروح . وقال الزهري : كان يأذن للناس على النبي صلى الله عليه وسلم .

            تميم بن الحارث بن قيس تميم بن الحارث بن قيس السهمي وأخوه سعيد ; صحابيان جليلان هاجرا إلى الحبشة ، وقتلا بأجنادين الحارث بن أوس بن عتيك ، من مهاجرة الحبشة ، قتل بأجنادين . خالد بن سعيد بن العاص الأموي ، من السابقين الأولين ، ممن هاجر إلى الحبشة ، وأقام بها بضع عشرة سنة ، ويقال : إنه كان على صنعاء من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره الصديق على بعض الفتوحات كما تقدم ، قتل يوم مرج الصفر في قول ، وقيل : بل هرب فلم يمكنه الصديق من دخول المدينة تعزيرا له ، فأقام شهرا في بعض ظواهرها حتى أذن له . ويقال : إن الذي قتله أسلم ، وقال : رأيت له حين قتلته نورا ساطعا إلى السماء ، رضي الله عنه . ضرار بن الأزور الأسدي ، كان من الفرسان المشهورين ، والأبطال المذكورين ، له مواقف مشهودة ، وأحوال محمودة . ذكر عروة وموسى بن عقبة أنه قتل بأجنادين . له حديث في استحباب إبقاء شيء من اللبن في الضرع عند الحلب . طليب بن عمير بن وهب بن كثير بن عبد بن قصي القرشي العبدي ، أمه أروى بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا . قاله ابن إسحاق والواقدي والزبير بن بكار . ويقال : إنه أول من ضرب مشركا . وذلك أن أبا جهل سب النبي صلى الله عليه وسلم فضربه طليب بلحي جمل فشجه . استشهد طليب بأجنادين وقد شاخ ، رضي الله عنه . عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من الأبطال المذكورين والشجعان المشهورين ، قتل يوم أجنادين بعدما قتل عشرة من الروم مبارزة ، كلهم بطارقة أبطال . وله من العمر يومئذ بضع وثلاثون سنة .

            عبد الله بن عمرو الدوسي عبد الله بن عمرو الدوسي ، قتل بأجنادين . وليس هذا الرجل معروفا .

            عثمان بن طلحة العبدري الحجبي ، قيل : إنه قتل بأجنادين . والصحيح أنه تأخر إلى ما بعد الأربعين .

            عتاب بن أسيد بن أبي العيص عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي . أبو عبد الرحمن ، أمير مكة نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استعمله عليها عام الفتح وله من العمر عشرون سنة ، فحج بالناس عامئذ ، واستنابه عليها أبو بكر بعده عليه الصلاة والسلام ، وكانت وفاته بمكة ، قيل : يوم توفي أبو بكر . رضي الله عنهما . له حديث واحد . رواه أهل السنن الأربعة . عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أبو عثمان القرشي المخزومي ، كان من سادات الجاهلية كأبيه ، ثم أسلم عام الفتح بعدما فر ، ثم رجع إلى الحق ، واستعمله الصديق على عمان حين ارتدوا ، فظفر بهم ، كما تقدم ، ثم قدم الشام وكان أميرا على بعض الكراديس ، ويقال : إنه لا يعرف له ذنب بعدما أسلم . وكان يقبل المصحف ويبكي ويقول : كلام ربي كلام ربي . احتج بهذا الإمام أحمد على جواز تقبيل المصحف ومشروعيته . وقال الشافعي : كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام . قال عروة : قتل بأجنادين . وقال غيره : باليرموك بعدما وجد به بضع وسبعون ما بين ضربة وطعنة . رضي الله عنه . نعيم بن عبد الله النحام ، أحد بني عدي ، أسلم قديما قبل عمر ، ولم يتهيأ له هجرة إلى ما بعد الحديبية ; وذلك لأنه كان فيه بر بأقاربه ، فقالت له قريش : أقم عندنا على أي دين شئت ، فوالله لا يتعرضك أحد إلا ذهبت أنفسنا دونك . استشهد يوم أجنادين ، وقيل : يوم اليرموك . رضي الله عنه . هبار بن الأسود بن أسد . أبو الأسود القرشي الأسدي ، هذا الرجل كان قد طعن راحلة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرجت من مكة حتى أسقطت ، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ، وقتل بأجنادين ، رضي الله عنه . هبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي . ابن أخي أبي سلمة . أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ، واستشهد يوم أجنادين على الصحيح ، وقيل : قتل يوم مؤتة . والله أعلم . هشام بن العاص بن وائل السهمي ، أخو عمرو بن العاص ، روى الترمذي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابنا العاص مؤمنان . وقد أسلم هشام قبل عمرو . ، وهاجر إلى الحبشة ، فلما رجع منها احتبس بمكة ، ثم هاجر بعد الخندق ، وقد أرسله الصديق إلى ملك الروم ، وكان من الفرسان . وقتل بأجنادين ، وقيل : باليرموك . والأول أصح . والله أعلم . عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب المازني ، حليف بني عبد شمس ، صحابي بدري ، وأسلم قديما بعد سنة ، وهاجر إلى أرض الحبشة ، وهو أول من اختط البصرة عن أمر عمر ، وإمرته له على ذلك كما تقدم ، وله فضائل ومآثر ، وتوفي سنة أربع عشرة ، وقيل : سنة خمس عشرة . وقيل : سنة سبع عشرة . وقيل : سنة عشرين . فالله أعلم . وقد جاوز الخمسين . وقيل : بلغ ستين سنة ، رضي الله عنه . عمرو بن أم مكتوم الأعمى ، ويقال : اسمه عبد الله . صحابي مهاجر ، هاجر بعد مصعب بن عمير قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يقرئ الناس القرآن ، وقد استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة غير مرة ، فيقال : ثلاث عشرة مرة . وشهد القادسية مع سعد زمن عمر ، فيقال : إنه قتل بها شهيدا . ويقال : إنه رجع إلى المدينة وتوفي بها . فالله أعلم . المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم بن سعد بن مرة بن ذهل بن شيبان الشيباني ، نائب خالد على العراق ، وهو الذي صارت إليه الإمرة بعد أبي عبيد يوم الجسر ، فدارى بالمسلمين حتى خلصهم من الفرس يومئذ ، وكان أحد الفرسان الأبطال ، وهو الذي ركب إلى الصديق فحرضه على غزو العراق ، ولما توفي تزوج سعد بن أبي وقاص بامرأته سلمى بنت حفص ، رضي الله عنهما وأرضاهما وقد ذكره ابن الأثير في كتابه " الغابة في أسماء الصحابة " . أبو زيد الأنصاري النجاري ، أحد القراء الأربعة الذين حفظوا القرآن من الأنصار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في حديث أنس بن مالك ، وهم : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . قال أنس : أحد عمومتي . قال الكلبي : واسم أبي زيد هذا قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن غنم بن عدي بن النجار ، شهد بدرا . قال موسى بن عقبة : واستشهد يوم جسر أبي عبيد . وهي عنده في سنة أربع عشرة . وقال بعض الناس : أبو زيد الذي جمع القرآن سعد بن عبيد . وردوا هذا برواية قتادة عن أنس بن مالك قال : افتخرت الأوس والخزرج . فقالت الأوس : منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر ، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، ومنا الذي اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ ، ومنا الذي جعلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت . فقالت الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أبي ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ ، وأبو زيد . رضي الله عنهم أجمعين . أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي ، والد المختار بن أبي عبيد أمير العراق ، ووالد صفية امرأة عبد الله بن عمر ، أسلم أبو عبيد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر في الصحابة .

            قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : ولا يبعد أن يكون له رواية . والله أعلم . هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن أمية الأموية ، والدة معاوية بن أبي سفيان ، وكانت من سيدات نساء قريش ، ذات رأي ودهاء ورياسة في قومها ، وقد شهدت يوم أحد مع زوجها ، وكان لها تحريض على قتل المسلمين يومئذ ، ولما قتل حمزة مثلت به ، وأخذت من كبده فلاكتها ، فلم تستطع إساغتها ; لأنه كان قد قتل أباها وأخاها يوم بدر ، ثم بعد ذلك كله أسلمت - وحسن إسلامها - عام الفتح بعد زوجها بليلة ، ولما أرادت الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه استأذنت أبا سفيان ، فقال لها : قد كنت بالأمس مكذبة بهذا الأمر . فقالت : والله ما رأيت الله عبد حق عبادته بهذا المسجد قبل هذه الليلة ، والله لقد باتوا ليلهم كلهم يصلون فيه . فقال لها : إنك قد فعلت ما فعلت فلا تذهبي وحدك . فذهبت إلى عثمان بن عفان - ويقال : إلى أخيها أبي حذيفة بن عتبة - فذهب معها ، فدخلت وهي متنقبة ، فلما بايعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيرها من النساء قال : " على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين " فقالت : أوتزني الحرة ؟ ولا يقتلن أولادهن قالت : قد ربيناهم صغارا فقتلتهم كبارا . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فبادرت وقالت : في معروف . فقال : في معروف . وهذا من فصاحتها وحزمها ، وقد قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : والله يا محمد ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل خباءك ، فقد والله أصبح اليوم وما على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خباءك . فقال : وكذلك والذي نفسي بيده . وشكت من شح أبي سفيان ، فأمرها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف . وقصتها مع الفاكه بن المغيرة مشهورة ، وقد شهدت اليرموك مع زوجها ، وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة . أبي بن كعب ، سيد القراء ، وهو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، أبو المنذر وأبو الطفيل ، الأنصاري النجاري ، سيد القراء ، شهد العقبة وبدرا وما بعدهما ، وكان سيدا جليل القدر . وهو أحد القراء الأربعة الخزرجيين الذين جمعوا القرآن في حياة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ، وقد قال لعمر يوما : إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل وهو رطب . وفي " المسند " ، و " النسائي " ، و " ابن ماجه " ، من طريق أبي قلابة ، عن أنس مرفوعا : أقرأ أمتي أبي بن كعب . وفي الصحيح أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال له : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " . قال : وسماني لك ؟ قال : " نعم " فذرفت عيناه . وقد تكلمنا على ذلك في التفسير عند سورة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة [ البينة : 1 ] . قال الهيثم بن عدي توفي أبي سنة تسع عشرة . وقال يحيى بن معين سنة تسع عشرة أو عشرين . وقال الواقدي ، عن غير واحد : توفي سنة ثنتين وعشرين . وبه قال أبو عبيد ، وابن نمير ، وجماعة . وقال الفلاس ، وخليفة : توفي في خلافة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه . خباب مولى عتبة بن غزوان ، من المهاجرين ، شهد بدرا وما بعدها ، وهو صحابي من السابقين ، وصلى عليه عمر . صفية بنت عبد المطلب ، عمة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وهي أم الزبير بن العوام ، وهي شقيقة حمزة والمقوم وحجل ، أمهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة . لا خلاف في إسلامها ، وقد حضرت يوم أحد ووجدت على أخيها حمزة وجدا كثيرا ، وقتلت يوم الخندق رجلا من اليهود جاء فجعل يطيف بالحصن التي هي فيه ، وهو فارع ؛ حصن حسان ، فقالت لحسان : انزل فاقتله . فأبى ، فنزلت إليه فقتلته ، ثم قالت : انزل فاسلبه فلولا أنه رجل لاستلبته . فقال : لا حاجة لي فيه . وكانت أول امرأة قتلت رجلا من المشركين .

            وقد اختلف في إسلام من عداها من عمات النبي ، صلى الله عليه وسلم . فقيل : أسلمت أروى وعاتكة . قال ابن الأثير وشيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ : والصحيح أنه لم يسلم منهن غيرها .

            وقد تزوجت أولا بالحارث بن حرب بن أمية ، ثم خلف عليها العوام بن خويلد ، فولدت له الزبير وعبد الكعبة . وقيل : تزوجها العوام بكرا . والصحيح الأول . توفيت بالمدينة سنة عشرين ، عن ثلاث وسبعين سنة . ودفنت بالبقيع ، رضي الله عنها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية