خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه
استهلت سنة أربع وعشرين، وفي أول يوم منها دفن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه وبعد ثلاثة أيام بويع لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وذلك أن عمر رضي الله عنه كان قد جعل أمر المسلمين إلى ستة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم علي وعثمان وسعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف على أن يختاروا من بينهم من يلي الخلافة فاجتمعوا بعد دفن عمر رضي الله عنه في دار المسور بن مخرمة وتباحثوا فجعلوا الأمر إلى ثلاثة علي وعثمان وعبد الرحمن ثم خلع نفسه منها عبد الرحمن وطلبوا منه أن يجتهد في اختيار الأولى بالخلافة، فاجتهد وسأل واستشار واستقر الأمر على تولية أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وبايعه علي رضي الله عنه والناس، وقد زاد في أعطية الناس وخطب فيهم.
وفي هذه السنة عزل عثمان سعدا عن الكوفة وولاها الوليد بن عقبة، وفيه أيضا غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية حين نقضوا العهد فوطئ بلادهم فغنم وسبى فصالحه أهلها على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وفيها أرسل جيش الشام يستمد عثمان رضي الله عنه على جيش الروم فأرسل إلى الوليد بن عقبة أن أرسل رجلا شجاعا مع ثمانية آلاف أو أكثر إلى معاوية رضي الله عنه في الشام فأمده وأمر سلمان بن ربيعة، وأمر على الجند حبيب بن مسلم الفهري، فنصر الله سبحانه أهل الإسلام على الروم، وحج بالناس في هذا العام عبد الرحمن بن عوف لمرض عثمان رضي الله عنه بالرعاف.
وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري بعدما نقضوا العهد الذي كان واثقهم عليه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وقد توفي فيها بركة أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولبابة الكبرى بنت الحارث رضي الله عنها، وعثمان بن قيس بن أبي العاص، وسراقة بن مالك المدلجي.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وفيها:
خالف أهل الإسكندرية ونقضوا صلحهم مع المسلمين وذلك أن الروم قد كاتبوا أهلها وحثوهم على ذلك، فأجابوهم إلا المقوقس فقد حافظ على صلحه، وخرج الروم من القسطنطينية بجيش كبير عليهم منويل الخصي فالتقاهم عمرو بن العاص والمسلمون فهزمهم المسلمون وقتلوا منويل الخصي وهدم عمرو سور الإسكندرية.
وفيها وجه سليمان بن ربيعة الباهلي إلى أران ففتح البيلقان، وبرذعة، وفيها غزا معاوية الروم حتى بلغ عمورية، وفي هذه السنة سير عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف إفريقية، وفيها ولد يزيد بن معاوية وحج بالناس عثمان رضي الله عنه.
وممن توفي في هذه السنة أبو ذر جندب بن جنادة، وعبد الله بن قيس بن زيادة بن الأصم، وعمرو بن عتبة بن فرقد بن حبيب السلمي، وعمير بن وهب الجمحي، وعروة بن حزام بن مهاجر.
ثم دخلت سنة ست وعشرين:
وفيها تم توسعة المسجد الحرام، وتم تجديد أنصاب الحرم، وفيها توفي خبيب بن يساف بن عتبة رضي الله عنه.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين:
وفيها كان عزل عمرو بن العاص عن إفريقية وتولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وفيها غزا ابن أبي سرح إفريقية، ففتحها الله عليه، وفيها كان فتح الأندلس، وفيها كانت هزيمة جرجير وقتله، وفيها مات أبو ذؤيب الهذلي الشاعر، وأبو رمثة البلوي، وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول ، أبو الحارث، وأم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما.
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين:
وفيها كان فتح قبرس، وفيها تزوج أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من نائلة بنت الفرافصة، وفيها توفي عمرو بن سراقة بن المعتمر، وأم حرام بنت ملحان الأنصارية بقبرس.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين:
وفيها عزل أبو موسى الأشعري عن البصرة واستعمل عبد الله بن عامر بن كريز، وقد فتح الله عليه العديد من البلدان وقد أثخن في كابل وخرسان وغيرهما، وفيها توفي سلمان بن ربيعة الباهلي.
ثم دخلت سنة ثلاثين:
وفيها عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة وجلده في الخمر وولاها سعيد بن العاص، وفيها كان فتح طبرستان، وفيها غزا حذيفة الباب وأذربيجان ورأى اختلاف أهل الأمصار في القرآن فأشار على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهما بجمعه وجمعهم على مصحف واحد منعا للخلاف.
وفيها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه في بئر أريس فلم يعثر عليه.
وفيها زاد عثمان رضي الله عنه الأذان الثالث على الزوراء، وفيها توفي أبي بن كعب رضي الله عنه، وأوس بن ثابت بن المنذر بن حرام رضي الله عنه.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين:
وفيها كانت هزيمة قسطنطين بن هرقل في غزوة الصواري، وفي هذه الغزوة كان محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة فأظهرا السب لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.
وفي هذه السنة قتل يزدجرد ملك الفرس، وفيها كان مسير ابن عامر إلى خرسان وفتح كرمان، وسجستان وكابل وغيرهما، وفيها مات أبو الدرداء رضي الله عنه، ونعيم بن مسعود بن عامر، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو أسيد الساعدي، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، وأخوه الطفيل، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، رضي الله عنهم جميعا.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين:
وفيها كان غزو معاوية رضي الله عنه مضيق القسطنطينية، وقتال الترك والخزر المسلمين، وبدء الفرقة بين أهل الكوفة والشام، وفيها فتح ابن عامر مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان، وفيها كان جمع قارن وخروج ابن خازم له وهزيمته وقتله، وفي هذه السنة توفي العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، والحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف رضي الله عنه، وسلمان الفارسي رضي الله عنه، وأبو ذر الغفاري على المشهور وقيل في سنة خمس وعشرين، وأبو سفيان صخر بن حرب، وقيل في التي قبلها، وعبد اه بن حذافة السهمي، وعبد الله بن نضلة أبو برزة الأسلمي، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه أبو محمد، وقطبة بن عامر بن حديدة، وكعب الأحبار، ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، ومعضد بن يزيد أبو زياد العجلي.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:
وفيها كانت غزوة معاوية إلى حصن المرأة من أرض الروم، وفيها كانت غزوة عبد الله بن سعد إفريقية الثانية حين نقض أهلها العهد، وفيها كان تسيير من سير من أهل الكوفة إلى الشام، وتسيير من سير من أهل البصرة إلى الشام، وفيها توفي الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، والمقداد بن الأسود.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:
وفيها كان أن تكاتب المنحرفون عن عثمان رضي الله عنه للاجتماع لمناظرته فيما كانوا يذكرون أنهم نقموا عليه، وفيها كان ابتداء فتنة السبئيين والتي أفضت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.
وفيها توفي أبو طلحة الأنصاري، وسويد بن شعبة اليربوعي، وعبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبس، وعبادة بن الصامت، وعوف بن أثاثة بن عبادة بن المطلب، وأبو رهم الغفاري.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين:
وفيها كانت الفتنة الكبرى التي قتل فيها أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وجاء أحزاب الفتنة من مصر والكوفة والبصرة وقد زوروا كتبا على لسان الصحابة يدعون الناس إلى الجهاد ضد عثمان رضي الله عنه، وقد خرجوا متظاهرين بالحج، ثم تظاهروا بالعودة من حيث أتوا لما ردهم من قصدوه من الصحابة الكرام ثم سرعان ما رجعوا إلى المدينة وحاصر جمهورهم دار عثمان رضي الله عنه، وكان يخرج إلى الصلاة ثم منعوه الخروج إلى الصلاة وشدوا في حصارهم حتى منعوا عنه الماء، وكان أبناء الصحابة يحرسونه حتى عزم عليهم أن ينصرفوا أو ألا يرفعوا سلاحا في وجه أحد وكان قد رأى رؤيا بأنه يفطر عند النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فعلم أنه مقتول من يومه فصبر حتى قتل وحرج على الناس أن يقاتلوا دونه حتى لا يراق بسببه دم أحد من المسلمين، وقد دخلوا عليه واقتحموا داره وضربوه بالسيف وطعنوه رضي الله عنه وسال الدم من جسده رضي الله عنه وأصيب في ذلك زوجته نائلة بنت الفرافصة، وعدد من المسلمين وبعض عبيده.
وكانت مدة حصاره فيما ذكر أربعين يوما وقيل غير ذلك.
وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمرو وأبو عبد الله القرشي الأموي أمير المؤمنين ذو النورين وصاحب الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين وزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم أول من هاجر بأهله من بعد لوط عليه السلام، وهو ثالث الخلفاء الراشدين، وقد أسلم قديما، ووردت الأحاديث الثابتة في فضله وفضائله ومناقبه، فهو مجهز جيش العسرة والذي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم إلى غير ذلك من الفضائل الظاهرة الباهرة.
وهو أول من أقطع القطائع، وأول من حمى الحمى، وأول من خفض صوته بالتكبير، وأول من خلق المسجد، وأول من أمر بالأذان الأول في الجمعة، وأول من رزق المؤذنين.
وهو المبشر بالجنة على بلوى تصيبه، وكان أمر الله قدرا مقدورا رضي الله عنه وأرضاه.