الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة وولى عليها سعد بن أبي وقاص

            قال ابن جرير : وفي هذه السنة عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة ، وولى عليها سعد بن أبي وقاص ، فكان أول عامل ولاه ؛ لأن عمر قال : فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ولي ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة . فاستعمل سعدا عليها سنة وبعض أخرى .

            وقال الواقدي فيما ذكره عن أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر أوصى أن تقر عماله سنة ، فلما ولي عثمان أقر المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ، ثم عزله ، واستعمل سعدا ، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط . قال ابن جرير : فعلى ما ذكره الواقدي تكون ولاية سعد على الكوفة سنة خمس وعشرين .

            وسبب ذلك -يعني عزل سعد - أن سعدا اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضا ، فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام ، فقال له سعد : ما أراك إلا ستلقى شرا ، هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل ؟ فقال : أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة . وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حاضرا فقال : إنكما لصاحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينظر إليكما . فرفع سعد يده ليدعو على ابن مسعود ، وكان فيه حدة ، فقال : اللهم رب السماوات والأرض . فقال ابن مسعود : ويلك قل خيرا ولا تلعن . فقال سعد عند ذلك : أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك . فولى عبد الله سريعا حتى خرج ، ثم استعان عبد الله بأناس على استخراج المال ، واستعان سعد بأناس على إنظاره ، فافترقوا وبعضهم يلوم بعضا ، يلوم هؤلاء سعدا وهؤلاء عبد الله ، فكان أول ما نزغ به بين أهل الكوفة ، وأول مصر نزغ الشيطان بين أهله . وبلغ الخبر عثمان فغضب عليهما فعزل سعدا وأقر عبد الله ، واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط مكان سعد ، وكان على عرب الجزيرة عاملا لعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان بعده ، فقدم الكوفة واليا عليها ، ( وأقام عليها خمس سنين ، وهو من أحب الناس إلى أهلها ) . فلما قدم قال له سعد : أكست بعدنا أم حمقنا بعدك ؟ فقال : لا تجزعن يا أبا إسحاق ، كل ذلك لم يكن ، وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون . فقال سعد : أراكم جعلتموها ملكا ! وقال له ابن مسعود : ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس ! غزو الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية

            قال ابن جرير : وفي هذه السنة - أعني سنة أربع وعشرين - غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية حين منع أهلها ما كانوا صالحوا عليه في أيام عمر بن الخطاب ، وهذا في رواية أبي مخنف . وأما في رواية غيره ، فإن ذلك كان في سنة ست وعشرين .

            ثم ذكر ابن جرير هاهنا هذه الوقعة ، وملخصها أن الوليد بن عقبة سار بجيش الكوفة نحو أذربيجان وأرمينية حين نقضوا العهد فوطئ بلادهم ، وأغار بأراضي تلك الناحية ، فغنم وسبى ، وأخذ أموالا جزيلة ، فلما أيقنوا بالهلكة صالحه أهلها على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان ؛ ثمانمائة ألف درهم في كل سنة ، فقبض منهم جزية سنة ، ثم رجع سالما غانما إلى الكوفة ، فمر بالموصل ، وجاءه كتاب عثمان وهو بها يأمره أن يمد أهل الشام على حرب أهل الروم .

            بعث عثمان إلى الشام لمحاربة الروم

            قال ابن جرير : وفي هذه السنة جاشت الروم حتى خاف أهل الشام وبعثوا إلى عثمان ، رضي الله عنه ، يستمدونه ، فكتب إلى الوليد بن عقبة ؛ أن إذا جاءك كتابي هذا ، فابعث رجلا أمينا كريما شجاعا قي ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إلى إخوانكم بالشام . فقام الوليد بن عقبة في الناس خطيبا حين وصل إليه كتاب عثمان ، فأخبرهم بما أمره به أمير المؤمنين ، وندب الناس ، وحثهم على الجهاد ومعاونة معاوية وأهل الشام ، وأمر سلمان بن ربيعة على الناس الذين يخرجون إلى الشام ، فانتدب في ثلاثة أيام ثمانية آلاف ، فبعثهم إلى الشام ، وعلى جند المسلمين حبيب بن مسلم الفهري . فلما اجتمع الجيشان شنوا الغارات على بلاد الروم ، فغنموا وسبوا سبيا كثيرا ، وفتحوا حصونا كثيرة . ولله الحمد .

            وزعم الواقدي أن الذي أمد أهل الشام بسلمان بن ربيعة إنما هو سعيد بن العاص ؛ عن كتاب عثمان ، رضي الله عنه ، فبعث سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة بستة آلاف فارس حتى انتهى إلى حبيب بن مسلمة وقد أقبل إليه الموريان الرومي في ثمانين ألفا من الروم والترك ، وكان حبيب بن مسلمة شجاعا شهما ، فعزم على أن يبيت جيش الروم ، فسمعته امرأته يقول للأمراء ذلك ، فقالت له : فأين موعدي معك . تعني أين أجتمع بك غدا ؟ فقال لها : موعدك سرادق موريان أو الجنة . ثم نهض إليهم في الليل بمن معه من المسلمين ، فقتل من أشرف له ، وسبقته امرأته إلى سرادق موريان ، فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق ، وقد مات عنها حبيب بن مسلمة بعد ذلك ، فخلف عليها بعده الضحاك بن قيس الفهري ؛ فهي أم ولده .

            من حج في هذه السنة

            قال ابن جرير : واختلف في من حج بالناس في هذه السنة ؛ فقال الواقدي وأبو معشر : حج بهم عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان . وقال آخرون : حج بالناس عثمان بن عفان ، رضي الله عنه . والأول هو الأشهر ؛ فإن عثمان لم يتمكن من الحج في هذه السنة لأجل رعاف أصابه مع الناس في هذه السنة حتى خشي عليه . وكان يقال لهذه السنة : سنة الرعاف .

            فتح أبو موسى الأشعري الري

            وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري بعد ما نقضوا العهد الذي كان واثقهم عليه حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية