كانت أربعين يوما على المشهور . وقيل : كانت بضعا وأربعين يوما . وقال الشعبي : كانت ثنتين وعشرين ليلة . مدة حصر عثمان ، رضي الله عنه ، في داره
اليوم الذي قتل فيه عثمان رضي الله عنه
ثم كان قتله ، رضي الله عنه ، في يوم الجمعة بلا خلاف . قال سيف بن عمر عن مشايخه : في آخر ساعة منها . ونص عليه مصعب الزبيري وآخرون . وقال آخرون : ضحوة . وهذا أشبه . وكان ذلك لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة على المشهور . وقيل : في أيام التشريق . وعن الزهري قال : قتل عثمان فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق - وعن أبي عثمان قال : قتل عثمان في أوسط أيام التشريق - وقال بعضهم : قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة . وقيل : قتل يوم النحر . حكاه ابن عساكر . ويستشهد له بقول الشاعر :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
قلت : والأول هو الأشهر . وهو أنه قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، على الصحيح المشهور . وقيل : سنة ست وثلاثين . قاله مصعب الزبيري وطائفة . وهو غريب . فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما ; لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين .عمر عثمان رضي الله عنه
فأما عمره ، رضي الله عنه ، فإنه جاوز الثمانين على المشهور . فقيل : إحدى وثمانين سنة . وقال الواقدي وغير واحد : توفي عن ثنتين وثمانين سنة . وقال صالح بن كيسان : وأشهر . وقيل : أربع وثمانين سنة . وعن قتادة : توفي عثمان عن ثمان وثمانين أو تسعين سنة . وفي رواية عنه : توفي عن ست وثمانين سنة . وعن هشام بن الكلبي : توفي عن خمس وسبعين سنة . وهذا غريب جدا . وأغرب منه ما رواه سيف بن عمر عن مشايخه ; وهم محمد وطلحة وأبو عثمان وأبو حارثة أنهم قالوا : قتل عثمان ، رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة .
موضع قبر عثمان رضي الله عنه
وأما موضع قبره فلا خلاف أنه دفن بحش كوكب - شرقي البقيع - وقد بني عليه زمان بني أمية قبة عظيمة وهي باقية إلى اليوم . قال الإمام مالك : بلغني أن عثمان ، رضي الله عنه ، كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول : إنه سيدفن هاهنا رجل صالح
.
تغسيل وتكفين ودفن عثمان رضي الله عنه والصلاة عليه
وقد ذكر ابن جرير أن عثمان ، رضي الله عنه ، بقي بعد أن قتل ثلاثة أيام لا يدفن . قلت : وكأنه اشتغل الناس عنه بمبايعة علي ، رضي الله عنه حتى تمت . وقيل : إنه مكث ليلتين . وقيل : بل دفن من ليلته . ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج . وقيل : بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم . فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة ; منهم حكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزى ، وأبو الجهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم الأسلمي ، وجبير بن مطعم ، وزيد بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وطلحة ، والزبير ، وعلي بن أبي طالب ، وجماعة من أصحابه ونسائه ; منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عيينة بن حصن ، وصبيان .
وعن قتادة قال : صلى الزبير على عثمان ودفنه وكان أوصى إليه . وروى عبد الله من طريق إبراهيم بن عبد الله بن فروخ ، عن أبيه : شهدت عثمان دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسل .
وحمله جماعة من خدمه بعد ما غسلوه وكفنوه . وزعم بعضهم أنه لم يغسل ولم يكفن . والصحيح الأول . وصلى عليه جبير بن مطعم . وقيل : الزبير بن العوام . وقيل : حكيم بن حزام . وقيل : مروان بن الحكم . وقيل : المسور بن مخرمة . وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه وإلقاءه عن سريره ، وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع ، حتى بلغ علي بن أبي طالب ، فبعث إليهم من نهاهم عن ذلك ، وحمل جنازته حكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم ، وجبير بن مطعم .
وذكر الواقدي أنه لما وضع ليصلى عليه - عند مصلى الجنائز - أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك ، فقال أبو جهم بن حذيفة : ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته . ثم قالوا : لا يدفن في البقيع ، ولكن ادفنوه وراء الحائط . فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلات هناك .
وذكر الواقدي أن عمير بن ضابئ نزا على سريره وهو موضوع للصلاة عليه ، فكسر ضلعا من أضلاعه ، وقال : أحبست ضابئا حتى مات في السجن ؟ وقد قتل الحجاج فيما بعد عمير بن ضابئ هذا .
وقال البخاري في " التاريخ " : بسنده عن محمد بن سيرين قال : كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول : اللهم اغفر لي . وما أظن أن تغفر لي . فقلت : يا عبد الله ما سمعت أحدا يقول ما تقول . قال : كنت أعطيت الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته ، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون فيصلون عليه ، فدخلت كأني أصلي عليه فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه فلطمته ، وسجيته ، وقد يبست يميني . قال ابن سيرين : فرأيتها يابسة كأنها عود .
دفن عبدي عثمان رضي الله عنه
ثم خرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار ; وهما صبيح ونجيح ، رضي الله عنهما ، فدفنا إلى جانبه بحش كوكب . وقيل : إن الخوارج لم يمكنوا من دفنهما ، بل جروهما بأرجلهما حتى ألقوهما بالبلاط فأكلتهما الكلاب .
اعتناء معاوية بقبر عثمان رضي الله عنهما
وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان ، ورفع الجدار بينه وبين البقيع ، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتصلت بمقابر المسلمين . انتهاب دار عثمان ودار غيره ودار أبي هريرة رضي الله عنهما
ولما . قتل عثمان رضي الله عنه انتهبت داره ودار غيره ، وانتهبت دار أبي هريرة
وعن أبي هريرة ، قال: ، ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ، ثم قال: ادع لي عشرة ، فدعوت له عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كله وشبعوا ، ثم قال لي: "خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض ولا تكبه" قال أبو هريرة: فقبضت على أكثر مما جئت به . قال أبو هريرة: ألا أحدثكم عما أكلت ، أكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وأطعمت ، وحياة عمر وأطعمت ، وحياة عثمان وأطعمت ، فلما قتل عثمان انتهبت بيتي وذهب المزود فأدخل يده وأخرج قبضة ، فبسطها ، ثم قال: ادع لي عشرة ، فدعوت له عشرة فأكلوا حتى شبعوا . أصبت بثلاث بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه وذا يد منه ، وبقتل عثمان والمزود . قالوا: وما المزود؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابت الناس مخمصة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ، هل من شيء؟ " قلت: نعم ، شيء من تمر في مزود ، قال: "فآتني به" ، فأتيته به
وفي رواية: لقد جهزت منه خمسين وسقا في سبيل الله .