الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده : قال البخاري : بسنده عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل من أهل مصر حج البيت ، فرأى قوما جلوسا فقال : من هؤلاء القوم ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا : عبد الله بن عمر قال : يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني ; هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . فقال : تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : الله أكبر . قال ابن عمر : تعال أبين لك ; أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وكانت مريضة ، فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ; فبعث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عثمان - وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان - إلى مكة ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بيده اليمنى : هذه يد عثمان . فضرب بها على يده فقال : هذه لعثمان . فقال له ابن عمر : اذهب بها الآن معك . تفرد به دون مسلم . حديث آخر : قال البخاري : بسنده عن عروة أن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد ، فقد أكثر الناس فيه ؟ فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة . قلت : إن لي إليك حاجة ، وهي نصيحة لك . قال : يا أيها المرء - قال أبو عبد الله : قال معمر : أراه قال - أعوذ بالله منك . فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان ، رضي الله عنه ، فأتيته فقال : ما نصيحتك ؟ فقلت : إن الله بعث محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، وكنت ممن استجاب لله ولرسوله ، فهاجرت الهجرتين ، وصحبت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ورأيت هديه ، وقد أكثر الناس في شأن الوليد . فقال : أدركت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : لا ، ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها . قال : أما بعد ، فإن الله بعث محمدا بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله ، وآمنت بما بعث به ، وهاجرت الهجرتين كما قلت ، وصحبت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، عز وجل ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر مثله ، ثم استخلفت ، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم ؟ قلت : بلى . قال : فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ؟ أما ما ذكرت من شأن الوليد ، فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله . ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين .

            حديث آخر : عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : أرسل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى عثمان بن عفان ، فأقبل عليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلما رأينا إقبال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على عثمان أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه ، وقال : " يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني " ثلاثا . فقلت لها : يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك ؟ قالت : نسيته والله فما ذكرته . قال : فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به فكتبت إليه به كتابا حديث آخر : قال الإمام أحمد : بسنده عن فاطمة بنت عبد الرحمن قالت : حدثتني أمي أنها سألت عائشة ، وأرسلها عمها فقال : إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان ، فإن الناس قد شتموه ! فقالت : لعن الله من لعنه ، فوالله لقد كان قاعدا عند رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لمسند ظهره إلي ، وإن جبريل ليوحي إليه القرآن ، وإنه ليقول له : اكتب يا عثيم قالت عائشة : فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريما على الله ورسوله . حديث آخر : عن جابر أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر فتنة ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : أنا أدركها ؟ قال : " لا " . فقال عمر : أنا يا رسول الله أدركها ؟ قال : " لا " . فقال عثمان : يا رسول الله أنا أدركها ؟ قال : " بك يبتلون " حديث آخر : عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فتنة فمر رجل ، فقال : " يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما " . فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان ، رضي الله عنه . حديث آخر : قال الإمام أحمد : بسنده عن موسى بن عقبة قال : حدثني أبو أمي أبو حبيبة ، أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها ، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له ، فقام فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : ( إني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا " - أو قال : " اختلافا وفتنة " - فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ قال : " عليكم بالأمين وأصحابه " وهو يشير إلى عثمان بذلك . حديث آخر : عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور ، فقال : إنك إمام العامة ، وقد نزل بك ما ترى ، وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا اختر إحداهن ; إما أن تخرج فتقاتلهم ، فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل ، وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة ، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها ، وإما أن تلحق بالشام ، فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية . فقال عثمان : أما أن أخرج فأقاتل ، فلن أكون أول من خلف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في أمته بسفك الدماء ، وأما أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلوني بها ، فإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم . فلن أكون أنا ، وأما أن ألحق بالشام ، فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

            وقال الإمام أحمد : بسنده عن أبي عون الأنصاري أن عثمان قال لابن مسعود : " هل أنت منته عما بلغني عنك ؟ فاعتذر بعض العذر ، فقال عثمان : ويحك ! إني قد سمعت وحفظت - وليس كما سمعت - أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : سيقتل أمير وينتزي منتز . وإني أنا المقتول ، وليس عمر ، إنما قتل عمر واحد ، وإنه يجتمع علي . وهذا الذي قاله لابن مسعود قبل مقتله بنحو من أربع سنين ، فإنه مات قبله بنحو ذلك .

            حديث آخر : قال عبد الله بن أحمد : بسنده عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ولو ألقي حجر لم يقع إلا على رأس رجل ، فرأيت عثمان أشرف من الخوخة التي تلي باب مقام جبريل ، فقال : أيها الناس ، أفيكم طلحة ؟ فسكتوا ثم قال : أيها الناس ، أفيكم طلحة بن عبيد الله ؟ فسكتوا ، ثم قال : أيها الناس أفيكم طلحة ؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان : ألا أراك هاهنا ؟ ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ، ثم لا تجيبني ؟ أنشدك الله يا طلحة ، تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في موضع كذا وكذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك ؟ فقال : نعم . قال : فقال لك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إنه ما من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة ، وإن عثمان بن عفان هذا - يعنيني - رفيقي في الجنة " ؟ فقال طلحة : اللهم نعم . تفرد به .

            حديث آخر: عن طلحة بن عبيد الله قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لكل نبي رفيق ، ورفيقي في الجنة عثمان . وعن جابر قال : أتي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بجنازة رجل ليصلي عليه فلم يصل عليه ، فقيل : يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا ؟ فقال : " إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله ، عز وجل " .

            وعن أبي هريرة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لقي عثمان بن عفان على باب المسجد فقال : يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل مصاحبتها .

            وروي بإسناد ضعيف ، عن علي أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : لو كان لي أربعون ابنة لزوجتهن بعثمان واحدة بعد واحدة ، حتى لا يبقى منهن واحدة .

            وعن المهلب بن أبي صفرة قال : سألت أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لم قلتم في عثمان : أعلاها فوقا ؟ قالوا : لأنه لم يتزوج رجل من الأولين والآخرين ابنتي نبي غيره .

            وعن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان ، إذا دعا له .

            وعن حذيفة أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها ، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار ، فوضعها بين يديه ، فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له : " غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ما يبالي عثمان ما فعل بعد هذا " .

            حديث آخر : وقال ليث بن أبي سليم : أول من خبص الخبيص عثمان ; خلط بين العسل والنقي ، ثم بعث به إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى منزل أم سلمة فلم يصادفه ، فلما جاء وضعوه بين يديه ، فقال : من بعث بهذا ؟ قالوا : عثمان . قالت : فرفع يديه إلى السماء ، فقال : " اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه " .

            حديث آخر : عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اعتنق عثمان ، وقال : أنت وليي في الدنيا ووليي في الآخرة .

            حديث آخر : عن عبد الله بن حوالة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : تهجمون على رجل معتجر ببردة من أهل الجنة ، يبايع الناس . قال : فهجمنا على عثمان بن عفان معتجرا يبايع الناس . ما روي عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روى عنه من الصحابة والتابعين

            روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثا.

            روى عنه: زيد بن خالد الجهني، وابن الزبير، والسائب بن يزيد، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت، وسلمة بن الأكوع، وأبو أمامة الباهلي، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل، وأبو قتادة، وأبو هريرة، وآخرون من الصحابة، رضي الله عنهم، وخلائق من التابعين.

            أخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب قال: (ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان إذا حدث - أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلا يهاب الحديث).

            وأخرج عن محمد بن سيرين قال: (كان أعلمهم بالمناسك: عثمان، وبعده ابن عمر).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية