الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            تغسيل ودفن علي رضي الله عنه والصلاة عليه

            ولما مات علي ولي غسله ودفنه أهله ، وصلى عليه ابنه الحسن فكبر أربعا وقيل : أكثر من ذلك .

            ودفن علي بدار الخلافة بالكوفة . وقيل : تجاه الجامع من القبلة ، في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة بحذاء باب الوراقين . وقيل : بظاهر الكوفة . وقيل : بالكناسة . وقيل : دفن بالثوية . وقال شريك القاضي وأبو نعيم الفضل بن دكين : نقله الحسن بن علي بعد صلحه مع معاوية إلى المدينة فدفنه بالبقيع إلى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عيسى بن دأب : بل لما أرادوا أن يحملوه إلى المدينة ليدفنوه بها جعلوه في صندوق على بعير ، فلما مروا به ببلاد طيئ أضلوا البعير ، فأخذت طيئ ذلك البعير بما عليه يحسبونه مالا ، فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه بالصندوق في بلادهم ، فلا يعرف قبره إلى الآن .

            والمشهور أن قبره إلى الآن بالكوفة كما ذكر عبد الملك بن عمير أن خالد بن عبد الله القسري نائب بني أمية في زمان هشام بن عبد الملك ، لما كان أميرا على العراق هدم دورا ليبنيها دارا وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، فأراد أن يحرقه بالنار ، فقيل له : أيها الأمير ، إن بنى أمية لا يريدون منك هذا كله . فلفه في قباطي ودفنه هناك . قالوا : فلا يقدر أحد أن يسكن تلك الدار التي هو فيها إلا ارتحل منها . كذا ذكره ابن عساكر .

            ما فعل بابن ملجم بعد مقتل علي رضي الله عنه

            ثم إن الحسن بن علي استحضر عبد الرحمن بن ملجم من السجن فأحضر الناس النفط والبواري ليحرقوه ، فقال لهم أولاد علي : دعونا نشتفي منه . فقطعت يداه ورجلاه ، فلم يجزع ولا فتر عن الذكر ، ثم كحلت عيناه ، وهو في ذلك يذكر الله وقرأ سورة : اقرأ باسم ربك إلى آخرها ، وإن عينيه لتسيلان على خديه ، ثم حاولوا لسانه ليقطعوه ، فجزع عند ذلك جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني أخاف أن أمكث في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه . فقتل عند ذلك وحرق بالنار ، قبحه الله .

            قال محمد بن سعد : كان ابن ملجم رجلا أسمر ، حسن الوجه ، أبلج ، شعره مع شحمة أذنه ، في جبهته أثر السجود . قال العلماء : ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي ; فإنه كان صغيرا يوم قتل أبوه . قالوا : لأنه كان قتل محاربة لا قصاصا . والله أعلم .

            متى طعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

            وكان طعن علي ، رضي الله عنه ، يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، بلا خلاف . فقيل : مات من يومه ، وقيل : يوم الأحد التاسع عشر منه . قال الفلاس : وقيل : ضرب ليلة إحدى وعشرين ، ومات ليلة أربع وعشرين عن تسع أو سبع أو ثمان وخمسين سنة . وقيل : عن ثلاث وستين سنة . وهو المشهور . قاله محمد ابن الحنفية ، وأبو جعفر الباقر ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو بكر بن عياش . وقال بعضهم : عن ثلاث أو أربع وستين سنة . وعن أبي جعفر الباقر : خمس وستين سنة . وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، وقيل : أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل : وستة أيام . وقيل : وأربعة عشر يوما . وقيل : أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما . رضي الله عنه .

            وقال جرير عن مغيرة قال : لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وكان ذلك في وقت القائلة ، وكان نائما مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف ، جلس وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . وجعل يبكي ، فقالت له فاختة : أنت بالأمس تطعن عليه ، واليوم تبكي عليه ! فقال : ويحك ! إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره .

            وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب " مكائد الشيطان " أن رجلا من أهل الشام من أمراء معاوية غضب ذات ليلة على ابنه ، فأخرجه من منزله ، فخرج الغلام لا يدري أين يذهب ، فجلس وراء الباب من خارج ، فنام ساعة ثم استيقظ ، فإذا هو بهر أسود بري قد جاء إلى الباب الذي لهم فنادى : يا سويد ، يا سويد . فخرج إليه الهر الذي في منزلهم ، فقال له البري : ويحك ! افتح . فقال : لا أستطيع . فقال : ويحك ! ائتني بشيء أتبلغ به فإني جائع وتعبان ، هذا أوان مجيئي من الكوفة ، وقد حدث الليلة حدث عظيم ، قتل علي بن أبي طالب . قال : فقال له الهر الأهلي : والله إنه ليس هاهنا شيء إلا وقد ذكروا اسم الله عليه غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم . فقال : ائتني به . فجاء به فجعل يلحسه حتى أخذ حاجته وانصرف ، وذلك بمرأى من الغلام ومسمع ، فقام إلى الباب فطرقه ، فخرج إليه أبوه فقال : من ؟ فقال له : افتح . فقال : ويحك ! ما لك ؟ فقال : افتح . ففتح ، فقص عليه خبر ما رأى . فقال له : ويحك ! أمنام هذا ؟ قال : لا والله . قال : ويحك ! أفأصابك جنون بعدي ؟ قال : لا والله ، ولكن الأمر كما وصفت لك ، فاذهب إلى معاوية الآن فاتخذ عنده يدا بما قلت لك . فذهب الرجل فاستأذن على معاوية ، فأخبره الخبر على ما ذكر ولده ، فأرخوا ذلك عندهم قبل مجيء البرد ، ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام . اعتقاد الروافض أن قبر علي رضي الله عنه بالنجف

            وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ولا أصل له ، ويقال : إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ ، عن أبي بكر الطلحي ، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، هو مطين ، أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية