قدوم زياد على معاوية
وفي سنة ثنتين وأربعين ، [ من فارس ] . قدم زياد بن أبيه على معاوية
وكان سبب ذلك أن زيادا كان قد استودع ماله عبد الرحمن بن أبي بكرة ، وكان عبد الرحمن يلي ماله بالبصرة ، وبلغ معاوية ذلك فبعث المغيرة بن شعبة لينظر في أموال زياد ، فأخذ عبد الرحمن فقال له : إن كان أبوك قد أساء إلي لقد أحسن عمك ، يعني زيادا . وكتب إلى معاوية : أن عذب عبد الرحمن ، فأراد أن يعذر ، وبلغ ذلك معاوية فقال لعبد الرحمن : احتفظ بما في يديك .
وألقى على وجهه حريرة ونضحها بالماء ، فغشي عليه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم خلاه وكتب إلى معاوية : إني عذبته فلم أصب عنده شيئا . وحفظ لزياد يده عنده . ثم دخل المغيرة على معاوية ، فقال معاوية حين رآه :
إنما موضع سر المرء إن باح بالسر أخوه المنتصح فإذا بحت بسر فإلى ناصح يستره أو لا تبح
فقال المغيرة : يا أمير المؤمنين إن تستودعني تستودع ناصحا مشفقا ، وما ذلك ؟ قال له معاوية : ذكرت زيادا واعتصامه بفارس فلم أنم ليلتي . فقال المغيرة : ما زياد هناك ؟ فقال معاوية : داهية العرب معه أموال فارس يدبر الحيل ، ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت ، فإذا هو قد أعاد [ علي ] الحرب جذعة ، فقال المغيرة : أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه ؟ قال : نعم ، فأته وتلطف له .
فأتاه المغيرة وقال له : إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك ولم يكن أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن ، وقد بايع ، فخذ لنفسك قبل التوطين فيستغني معاوية عنك . قال : أشر علي ( وارم الغرض الأقصى ) ، فإن المستشار مؤتمن :
فقال له المغيرة : ( أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه ، ويقضي الله . وكتب إليه معاوية بأمانه بعد عود المغيرة عنه ) ، فخرج زياد من فارس نحو معاوية ومعه المنجاب بن راشد الضبي وحارثة بن بدر الغداني .
وسرح عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم في جماعة إلى فارس وقال : لعلك تلقى زيادا في طريقك فتأخذه . فسار ابن خازم ، فلقي زيادا بأرجان ، فأخذه بعنانه وقال : انزل يا زياد . فقال له المنجاب : تنح يا ابن السوداء وإلا علقت يدك بالعنان . وكانت بينهم منازعة . فقال له زياد : قد أتاني كتاب معاوية وأمانه . فتركه ابن خازم ، وقدم زياد على معاوية ، وسأله عن أموال فارس ، فأخبره بما حمل منها إلى علي وبما أنفق منها في الوجوه التي تحتاج إلى النفقة وما بقي عنده وأنه مودع للمسلمين ، فصدقه معاوية فيما أنفق وفيما بقي عنده وقبضه منه .
وقيل : إن زيادا لما قال لمعاوية قد بقيت بقية من المال وقد أودعتها ، مكث معاوية يردده ، فكتب زياد كتبا إلى قوم ( أودعهم المال وقال لهم ) : قد علمتم ما لي عندكم من الأمانة فتدبروا كتاب الله : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال الآية ، فاحتفظوا بما قبلكم . وسمى في الكتب المال الذي أقر به لمعاوية ، وأمر رسوله أن يتعرض لبعض من يبلغ ذلك معاوية . ففعل رسوله ، وانتشر ذلك ، فقال معاوية لزياد حين وقف على الكتب : أخاف أن تكون مكرت بي فصالحني على ما شئت . فصالحه على شيء وحمله إليه ، ومبلغه : ألف ألف درهم ، واستأذنه في نزول الكوفة ، فأذن له ، فكان المغيرة يكرمه ويعظمه . فكتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زيادا وحجر بن عدي وسليمان بن صرد وشبث بن ربعي وابن الكوا بن الحمق بالصلاة في الجماعة ، فكانوا يحضرون معه الصلاة . ( وإنما ألزمهم بذلك لأنهم كانوا من شيعة علي ) .