الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قدوم زياد على معاوية

            وفي سنة ثنتين وأربعين قدم زياد بن أبيه على معاوية ، [ من فارس ] .

            وكان سبب ذلك أن زيادا كان قد استودع ماله عبد الرحمن بن أبي بكرة ، وكان عبد الرحمن يلي ماله بالبصرة ، وبلغ معاوية ذلك فبعث المغيرة بن شعبة لينظر في أموال زياد ، فأخذ عبد الرحمن فقال له : إن كان أبوك قد أساء إلي لقد أحسن عمك ، يعني زيادا . وكتب إلى معاوية : أن عذب عبد الرحمن ، فأراد أن يعذر ، وبلغ ذلك معاوية فقال لعبد الرحمن : احتفظ بما في يديك .

            وألقى على وجهه حريرة ونضحها بالماء ، فغشي عليه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم خلاه وكتب إلى معاوية : إني عذبته فلم أصب عنده شيئا . وحفظ لزياد يده عنده . ثم دخل المغيرة على معاوية ، فقال معاوية حين رآه :

            إنما موضع سر المرء إن باح بالسر أخوه المنتصح فإذا بحت بسر فإلى ناصح يستره أو لا تبح

            فقال المغيرة : يا أمير المؤمنين إن تستودعني تستودع ناصحا مشفقا ، وما ذلك ؟ قال له معاوية : ذكرت زيادا واعتصامه بفارس فلم أنم ليلتي . فقال المغيرة : ما زياد هناك ؟ فقال معاوية : داهية العرب معه أموال فارس يدبر الحيل ، ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت ، فإذا هو قد أعاد [ علي ] الحرب جذعة ، فقال المغيرة : أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه ؟ قال : نعم ، فأته وتلطف له .

            فأتاه المغيرة وقال له : إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك ولم يكن أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن ، وقد بايع ، فخذ لنفسك قبل التوطين فيستغني معاوية عنك . قال : أشر علي ( وارم الغرض الأقصى ) ، فإن المستشار مؤتمن :

            فقال له المغيرة : ( أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه ، ويقضي الله . وكتب إليه معاوية بأمانه بعد عود المغيرة عنه ) ، فخرج زياد من فارس نحو معاوية ومعه المنجاب بن راشد الضبي وحارثة بن بدر الغداني .

            وسرح عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم في جماعة إلى فارس وقال : لعلك تلقى زيادا في طريقك فتأخذه . فسار ابن خازم ، فلقي زيادا بأرجان ، فأخذه بعنانه وقال : انزل يا زياد . فقال له المنجاب : تنح يا ابن السوداء وإلا علقت يدك بالعنان . وكانت بينهم منازعة . فقال له زياد : قد أتاني كتاب معاوية وأمانه . فتركه ابن خازم ، وقدم زياد على معاوية ، وسأله عن أموال فارس ، فأخبره بما حمل منها إلى علي وبما أنفق منها في الوجوه التي تحتاج إلى النفقة وما بقي عنده وأنه مودع للمسلمين ، فصدقه معاوية فيما أنفق وفيما بقي عنده وقبضه منه .

            وقيل : إن زيادا لما قال لمعاوية قد بقيت بقية من المال وقد أودعتها ، مكث معاوية يردده ، فكتب زياد كتبا إلى قوم ( أودعهم المال وقال لهم ) : قد علمتم ما لي عندكم من الأمانة فتدبروا كتاب الله : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال الآية ، فاحتفظوا بما قبلكم . وسمى في الكتب المال الذي أقر به لمعاوية ، وأمر رسوله أن يتعرض لبعض من يبلغ ذلك معاوية . ففعل رسوله ، وانتشر ذلك ، فقال معاوية لزياد حين وقف على الكتب : أخاف أن تكون مكرت بي فصالحني على ما شئت . فصالحه على شيء وحمله إليه ، ومبلغه : ألف ألف درهم ، واستأذنه في نزول الكوفة ، فأذن له ، فكان المغيرة يكرمه ويعظمه . فكتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زيادا وحجر بن عدي وسليمان بن صرد وشبث بن ربعي وابن الكوا بن الحمق بالصلاة في الجماعة ، فكانوا يحضرون معه الصلاة . ( وإنما ألزمهم بذلك لأنهم كانوا من شيعة علي ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية