وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها ، وليخلع من بايعه الناس واجتمعوا عليه ، وقد ورد في " صحيح مسلم " الحديث بالزجر عن ذلك ، والتحذير منه ، والتوعد عليه ، وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه ، ولم يكن لهم قتله ، بل كان يجب عليهم إجابته إلى ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها ، فإذا ذمت طائفة من الجبارين لم تذم الأمة بكمالها وتتهم على نبيها صلى الله عليه وسلم ، فليس الأمر كما ذهبوا إليه ، ولا كما سلكوه ، بل أكثر الأمة قديما وحديثا كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه سوى شرذمة قليلة من أهل الكوفة ، قبحهم الله ، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلى أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة ، فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون من الدنيا ، وأخذهم على ذلك ، وحملهم عليه بالرغبة والرهبة ، فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه ، وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله ، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك - والله أعلم - ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه بذلك أبوه ، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك .
وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو ، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك . والله أعلم .