الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مقتل خولي بن يزيد الأصبحي الذي احتز رأس الحسين

            بعث إليه المختار أبا عمرة صاحب حرسه ، فكبس بيته ، فخرجت إليهم امرأته ، فسألوها عنه ، فقالت : لا أدري أين هو . وأشارت بيدها إلى المكان الذي هو مختف فيه ، وكانت تبغضه من ليلة قدم برأس الحسين معه إليها ، وكانت تلومه على ذلك ، واسمها العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب الحضرمي ، فدخلوا عليه فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة ، فحملوه إلى المختار ، فأمر بقتله قريبا من داره وأن يحرق بعد ذلك .

            وبعث المختار إلى حكيم بن فضيل السنبسي - وكان قد سلب العباس بن علي بن أبي طالب يوم قتل الحسين ورمى الحسين بسهم ، وكان يقول : تعلق سهمي بسرباله وما ضره . فأتاه أصحاب المختار فأخذوه ، وذهب أهله فشفعوا بعدي بن حاتم ، فكلمهم عدي فيه ، فقالوا : ذلك إلى المختار . فمضى عدي إلى المختار ليشفع فيه ، وكان المختار قد شفعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع ، فقالت الشيعة : إنا نخاف أن يشفعه المختار فيه ، فقتلوه رميا بالسهام كما رمى الحسين حتى صار كأنه القنفذ ، ودخل عدي بن حاتم على المختار ، فأجلسه معه ، فشفع فيه عدي ، فقال المختار : أتستحل أن تطلب في قتلة الحسين ؟ فقال عدي : إنه مكذوب عليه . قال : إذا ندعه لك .

            فدخل ابن كامل فأخبر المختار بقتله ، فقال : ما أعجلكم إلى ذلك ؟ ألا أحضرتموه عندي ؟ وكان قد سره قتله . فقال ابن كامل : غلبتني عليه الشيعة . فقال عدي لابن كامل : كذبت ، ولكن ظننت أن من هو خير منك سيشفعني فقتلته . فسبه ابن كامل ، فنهاه المختار عن ذلك .

            وبعث المختار إلى قاتل علي بن الحسين ، وهو مرة بن منقذ من عبد القيس ، وكان شجاعا ، فأحاطوا بداره ، فخرج إليهم على فرسه وبيده رمحه ، فطاعنهم ، فضرب على يده وهرب منهم فنجا ، ولحق بمصعب بن الزبير ، وشلت يده بعد ذلك .

            وبعث المختار إلى زيد بن رقاد الجنبي ، كان يقول : لقد رميت فتى منهم بسهم وكفه على جبهته يتقي النبل ، فأثبت كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته - وكان ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن عقيل - وإنه قال حين رميته : اللهم إنهم استقلونا واستذلونا ، فاقتلهم كما قتلونا . ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر وكان يقول : جئته وهو ميت ، فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ، فلم أزل أنضنضه من جبهته حتى أخذته وبقي النصل ، فلما أتاه أصحاب المختار خرج إليهم بالسيف ، فقال لهم ابن كامل : لا تطعنوه ولا تضربوه بالسيف ، ارموه بالنبل والحجارة . ففعلوا ذلك به ، فسقط ، فأحرقوه حيا .

            وطلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين ، فرآه قد هرب إلى البصرة ، فهدم داره .

            وطلب عبد الله بن عقبة الغنوي ، فوجده قد هرب إلى الجزيرة ، فهدم داره ، وكان قد قتل منهم غلاما . وطلب آخر من بني أسد يقال له حرملة بن الكاهن ، كان قد قتل رجلا من أهل الحسين ، ففاته .

            وطلب أيضا رجلا من خثعم اسمه عبد الله بن عروة الخثعمي ، كان يقول : رميت فيهم باثني عشر سهما . ففاته ولحق بمصعب بن الزبير ، فهدم داره .

            وطلب أيضا عمرو بن الصبيح الصدائي ، كان يقول : لقد طعنت فيهم وجرحت ، وما قتلت منهم أحدا . فأتي ليلا فأخذ ، وأحضر عند المختار ، فأمر بإحضار الرماح ، وطعن بها حتى مات .

            وأرسل إلى محمد بن الأشعب ، وهو في قرية له إلى جنب القادسية ، فطلبوه فلم يجدوه ، وكان قد هرب إلى مصعب ، فهدم المختار داره ، وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي ، كان زياد قد هدمها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية