الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ( مناقب عمر بن عبد العزيز )

            قال : أبو داود الطيالسي : بسنده عن عبد الله بن دينار ، قال : قال ابن عمر : يا عجبا ! يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر . قال : فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر قال : وكان بوجهه أثر ، فلم يكن هو ، وإذا هو عمر بن عبد العزيز وأمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب

            وقال البيهقي : بسنده عن جويرية بن أسماء ، عن نافع ، قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب قال : إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي ، فيملأ الأرض عدلا .

            قال نافع من قبله : ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز .

            وقال : وهيب بن الورد : بينما أنا نائم ، رأيت كأن رجلا دخل من باب بني شيبة ، وهو يقول : يا أيها الناس ، ولي عليكم كتاب الله . فقلت : من ؟ فأشار إلى ظهره ، فإذا مكتوب عليه : ع م ر . قال : فجاءت بيعة عمر بن عبد العزيز وقال بقية ، بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في روضة خضراء ، فقال له : " إنك ستلي أمر أمتي فزع عن الدم ، فإن اسمك في الناس عمر بن عبد العزيز واسمك عند الله جابر " .

            وقال أبو بكر بن المقري : بسنده عن رباح بن عبيدة ، قال : خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة ، وشيخ متوكئ على يده ، فقلت في نفسي : إن هذا الشيخ جاف ، فلما صلى ودخل لحقته ، فقلت : أصلح الله الأمير ، من الشيخ الذي كان متكئا على يدك ؟ فقال : يا رباح رأيته ؟ قلت : نعم . قال : ما أحسبك يا رباح إلا رجلا صالحا ، ذاك أخي الخضر ، أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة ، وأني سأعدل فيها .

            وقال يعقوب بن سفيان : بسنده عن أبي الأعيس ، قال : كنت جالسا مع خالد بن يزيد بن معاوية ، فجاء شاب عليه مقطعات ، فأخذ بيد خالد ، فقال : هل علينا من عين ؟ فقال أبو الأعيس : فقلت : عليكما من الله عين بصيرة وأذن سميعة ، قال : فترقرقت عينا الفتى . فأرسل يده من يد خالد وولى ، فقلت : من هذا ؟ قال : هذا عمر بن عبد العزيز ابن أخي أمير المؤمنين ، ولئن طالت بك حياة لترينه إمام هدى . قلت : قد كان عند خالد بن يزيد بن معاوية شيء جيد من أخبار الأوائل وأقوالهم .

            العهد لعمر بن عبد العزيز بالخلافة وقد روي أن سليمان بن عبد الملك لما حضرته الوفاة عزم أن يكتب العهد باسم أحد أولاده ، فما زال به وزيره الصادق رجاء بن حيوة حتى صرفه عن ذلك ، وأشار عليه أن يجعل الأمر من بعده لأصلح الناس لهم ، فألهم الله الخليفة رشده ، فعين لها ابن عمه عمر بن عبد العزيز فجود رأيه رجاء بن حيوة وصوبه ، فكتب سليمان العهد في صحيفة ، وختمها ، ولم يشعر بذلك عمر ، ولا أحد من بني مروان سوى سليمان ورجاء ، ثم أمر صاحب الشرطة بإحضار الأمراء ، ورءوس الناس من بني مروان وغيرهم ، فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة ، ثم انصرفوا ، ثم لما مات الخليفة استدعاهم رجاء بن حيوة فبايعوا ثانية ، قبل أن يعلموا موت الخليفة ، ثم فتحها فقرأها عليهم ، فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز ، فأخذوه فأجلسوه على المنبر وبايعوه ، فانعقدت له البيعة .

            اختلاف العلماء في الرجل يوصي الوصية في كتاب ويشهد على ما فيه من غير أن يقرأ على الشهود وقد اختلف العلماء في مثل هذا الصنيع في الرجل يوصي الوصية في كتاب ويشهد على ما فيه من غير أن يقرأ على الشهود ، ثم يشهدون على ما فيه فينفذ ، فسوغ ذلك جماعات من أهل العلم ; قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري : أجاز ذلك وأمضاه وأنفذ الحكم به جمهور أهل الحجاز .

            وروي ذلك عن سالم بن عبد الله ، وهو مذهب مالك ومن وافقه من فقهاء الشام .

            وحكى نحو ذلك خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه وقضاة جنده ، وهو قول الليث بن سعد في من وافقه من فقهاء أهل مصر والمغرب ، وهو قول فقهاء أهل البصرة وقضاتهم .

            وروي عن قتادة ، وعن سوار بن عبد الله ، وعبيد الله بن الحسين ، ومعاذ بن معاذ العنبري في من سلك سبيلهم . وأخذ بهذا عدد كثير من أصحاب الحديث.

            قلت : وقد اعتنى به البخاري في " صحيحه " .

            قال المعافى : وأبى ذلك جماعة من فقهاء العراق ، منهم : إبراهيم ، وحماد ، والحسن ، وهو مذهب الشافعي ، وأبي ثور . قال : وهو قول شيخنا أبي جعفر ، وكان بعض أصحاب الشافعي بالعراق يذهب إلى القول الأول . قال الجريري : وإلى القول الأول نذهب . وتقدم أن عمر بن عبد العزيز لما رجع من جنازة سليمان أتي بمراكب الخلافة ليركبها ، فامتنع من ذلك ، وأنشأ يقول :


            فلولا التقى ثم النهى خشية الردى لعاصيت في حب الصبا كل زاجر     قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى
            له صبوة أخرى الليالي الغوابر

            ثم قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، قدموا إلي بغلتي . ثم أمر ببيع تلك المراكب الخليفية في من يريد ، وكانت من الخيول الجياد المثمنة ، فباعها وجعل أثمانها في بيت المال .

            قالوا : فلما رجع من الجنازة ، وقد بايعه الناس ، واستقرت الخلافة باسمه ، انقلب وهو مغتم مهموم ، فقال له مولاه : ما لك هكذا مغتما مهموما ، وليس هذا بوقت هذا ؟ فقال : ويحك ! وما لي لا أغتم ، وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني بحقه ; أن أؤديه إليه ، كتب إلي في ذلك أو لم يكتب ، طلبه مني أو لم يطلب . قالوا : ثم إنه خير امرأته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها ، وبين أن تلحق بأهلها ، فبكت وبكى جواريها لبكائها ، فسمعت ضجة في داره ، ثم اختارت مقامها معه على كل حال ، رحمها الله . وقال له رجل : تفرغ لنا يا أمير المؤمنين . فأنشأ يقول


            قد جاء شغل شاغل     وعدلت عن طرق السلامه
            ذهب الفراغ فلا فرا     غ لنا إلى يوم القيامه

            وقال سهل بن صدقة: (لما استخلف عمر ... سمع في منزله بكاء، فسألوا عن ذلك، فقالوا: إن عمر خير جواريه، فقال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم، فمن أحب أن أعتقه... أعتقته، ومن أحب أن أمسكه... أمسكته إن لم يكن مني إليها شيء، فبكين إياسا منه).

            وقالت فاطمة امرأته: (كان عمر إذا دخل البيت... ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع).

            وقال الوليد بن أبي السائب: (ما رأيت أحدا قط أخوف من عمر). وقال الأوزاعي: (إن عمر بن عبد العزيز كان جالسا في بيته وعنده أشراف بني أمية، فقال: تحبون أن أولي كل رجل منكم جندا؟ فقال رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله؟!

            قال: ترون بساطي هذا؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى وفناء، وإني أكره أن تدنسوه بأرجلكم، فكيف أوليكم ديني، أوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم؟! هيهات لكم هيهات!!

            فقالوا له: لم؟ أما لنا قرابة؟ أما لنا حق؟ قال: ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء، إلا رجل من المسلمين حبسه عني طول شقته).

            وقال حميد: (أملى علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز فأبلغ، ثم شكا الحاجة والعيال، فأمر بعطائه).

            وقال الأوزاعي: (كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلا... حبسه ثلاثة أيام، ثم عاقبه، كراهة أن يعجل في أول غضبه). وقال إبراهيم بن ميسرة: (ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب أحدا في خلافته، غير رجل واحد، تناول من معاوية، فضربه ثلاثة أسواط.

            وقال الأوزاعي: لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة... كلموه في ذلك، فقال: لن يتسع مالي لكم، وأما هذا المال... فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد).

            وقال أبو عمر: (كتب عمر بن عبد العزيز: برد أحكام من أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس).

            وقال يحيى الغساني: (لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل .. قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة ونقبا، فكتبت إليه أعلمه حال البلد، وأسأله: آخذ الناس بالظنة وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟ فكتب إلي: أن خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة؛ فإن لم يصلحهم الحق... فلا أصلحهم الله.

            قال يحيى: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل .. حتى كانت من أصلح البلاد، وأقله سرقة ونقبا).

            وقال رجاء بن حيوة: (سمرت ليلة عند عمر، فعشى السراج، - وإلى جانبه وصيف، قلت: ألا أنبهه؟ قال: لا، قلت: أفلا أقوم؟ قال: ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه، فقام إلى بطة الزيت، وأصلح السراج ثم رجع، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز).

            وقال نعيم كاتبه: (قال عمر: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة).

            وقال مكحول: (لو حلفت... لصدقت؛ ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز!!).

            وقال سعيد بن أبي عروبة: (كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت... اضطربت أوصاله).

            وقال عطاء: (كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة ثم يبكون، حتى كأن بين أيديهم جنازة).

            وقال عبيد الله بن العيزار: (خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين، فقال: أيها الناس، أصلحوا أسراركم... تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم... تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرق له في الموت، والسلام عليكم).

            وقال وهيب بن الورد: (اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز، فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يديه، فدخل على أبيه فأخبره، فقال له قل: إن أبي يقول لكم: { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } .

            وقال الأوزاعي: (قال عمر بن عبد العزيز: خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم). [ قصة صاحب الحرس مع سيدنا عمر بن عبد العزيز]

            وقال يحيى الغساني: (كان عمر ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية، ويقول: ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة، فأتى سليمان بحروري، فقال له سليمان: هيه، فقال الحروري: وماذا أقول؟ يا فاسق ابن الفاسق، فقال سليمان: علي بعمر بن عبد العزيز.

            فلما جاء.. قال: اسمع مقالة هذا، فأعادها الحروري، فقال سليمان لعمر: ماذا ترى عليه؟ فسكت، قال: عزمت عليك؛ لتخبرني ماذا ترى عليه؟ قال: أرى عليه أن تشتمه كما شتمك، قال: ليس إلا [ذا]؟! فأمر به سليمان فضربت عنقه، وخرج عمر، فأدركه خالد صاحب الحرس، فقال: يا عمر؛ كيف تقول لأمير المؤمنين: ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك؟! والله؛ لقد كنت متوقعا أن يأمرني بضرب عنقك.

            قال: ولو أمرك... فعلت؟ قال: إي والله.

            فلما أفضت الخلافة إلى عمر ... جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس، فقال عمر: يا خالد؛ ضع هذا السيف عنك، وقال: اللهم؛ إني قد وضعت لك خالدا فلا ترفعه أبدا، ثم نظر في وجوه الحرس، فدعا عمرو بن مهاجر الأنصاري، وقال: يا عمرو، والله لتعلمن أن، ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام؛ ولكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك تحسن الصلاة، وأنت رجل من الأنصار، خذ هذا السيف؛ فقد وليتك حرسي).

            وقال شعيب: (حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين؛ ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك؟ فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟ فقال له أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيرا، يا بني؛ إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم... لم آمن أن يفتقوا علي فتقا يكثر فيه الدماء، والله؛ لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم، أو ما ترضى ألا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا... إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة؟!)

            وقال معمر: (قال عمر بن عبد العزيز: قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطمع).

            وقال أرطاة بن المنذر: (قيل لعمر بن عبد العزيز: لو اتخذت حرسا، واحترزت في طعامك وشرابك؟ فقال: اللهم؛ إن كنت تعلم أني أخاف شيئا دون يوم القيامة... فلا تؤمن خوفي). كتاب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن المهلب وقيل : لما ولي الخلافة كتب إلى يزيد بن المهلب : أما بعد ، فإن سليمان كان عبدا من عباد الله ، أنعم الله عليه ، ثم قبضه واستخلفني ، ويزيد بن عبد الملك من بعدي إن كان ، وإن الذي ولاني الله من ذلك وقدر لي ليس علي بهين ، ولو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج ، أو اعتقاد أموال ، لكان في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بي ، أفضل ما بلغ بأحد من خلقه ، وأنا أخاف فيما ابتليت به حسابا شديدا ، ومسألة غليظة ، إلا ما عفا الله ورحم ، وقد بايع من قبلنا ، فبايع من قبلك . فلما قرأ الكتاب قيل له : لست من عماله ، لأن كلامه ليس ككلام من مضى من أهله . فدعا يزيد الناس إلى البيعة ، فبايعوا .

            قال مقاتل بن حيان : كتب عمر إلى عبد الرحمن بن نعيم : أما بعد ، فاعمل عمل من يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين .

            قال طفيل بن مرداس : كتب عمر إلى سليمان بن أبي السري : أن اعمل خانات ، فمن مر بك من المسلمين فاقروه يوما وليلة ، وتعهدوا دوابهم ، ومن كانت به علة فاقروه يومين وليلتين ، وإن كان منقطعا به ، فأبلغه بلده . فلما أتاه كتاب عمر قال له أهل سمرقند : قتيبة ظلمنا وغدر بنا فأخذ بلادنا ، وقد أظهر الله العدل والإنصاف ، فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين . فأذن لهم ، فوجهوا وفدا إلى عمر ، فكتب لهم إلى سليمان : إن أهل سمرقند شكوا ظلما وتحاملا من قتيبة عليهم ، حتى أخرجهم من أرضهم ، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي ، فلينظر في أمرهم ، فإن قضى لهم ، فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة . قال : فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر القاضي ، فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم ، وينابذوهم على سواء ، فيكون صلحا جديدا ، أو ظفرا عنوة . فقال أهل الصغد : بلى نرضى بما كان ولا نحدث حربا ، وتراضوا بذلك .

            قال داود بن سليمان الجعفي : كتب عمر إلى عبد الحميد : أما بعد ، فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله ، وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء ، وإن قوام الدين العدل والإحسان ، فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك ، فإنه لا قليل من الإثم ، ولا تحمل خرابا على عامر ، وخذ منه ما أطاق ، وأصلحه حتى يعمر ، ولا يؤخذن من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ، ولا تأخذن أجور الضرابين ، ولا هدية النوروز والمهرجان ، ولا ثمن الصحف ، ولا أجور الفيوج ، ولا أجور البيوت ، ولا درهم النكاح ، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض ، فاتبع في ذلك أمري ، فإني قد وليتك من ذلك ما ولاني الله ، ولا تعجل دوني بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه ، وانظر من أراد من الذرية أن يحج ، فعجل له مائة ليحج بها ، والسلام . أول خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة وقال الزبير بن بكار : بسنده عن سلام بن سليم ، قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر ، وكان أول خطبة خطبها حمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، من صحبنا فليصحبنا بخمس ، وإلا فليفارقنا ; يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ، ويعيننا على الخير بجهده ، ويدلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه ، ولا يغتابن عندنا الرعية ، ولا يعرضن فيما لا يعنيه . فانقشع عنه الشعراء والخطباء ، وثبت معه الفقهاء والزهاد ، وقالوا : ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف فعله قوله .

            وقال سفيان بن عيينة : لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى محمد بن كعب ورجاء بن حيوة وسالم بن عبد الله ، فقال لهم : قد ترون ما ابتليت به وما قد نزل بي ، فما عندكم ؟ فقال محمد بن كعب : اجعل الشيخ أبا ، والشاب أخا ، والصغير ولدا ، فبر أباك ، وصل أخاك ، وتعطف على ولدك . وقال رجاء : ارض للناس ما ترضى لنفسك ، وما كرهت أن يؤتى إليك فلا تأته إليهم ، واعلم أنك أول خليفة تموت . وقال سالم اجعل الأمر يوما واحدا صم فيه عن شهوات الدنيا ، واجعل آخر فطرك فيه الموت ، فكأن قد . فقال عمر : لا حول ولا قوة إلا بالله .

            وقال غيره : خطب عمر بن عبد العزيز يوما الناس فقال ، وقد خنقته العبرة : أيها الناس ، أصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم ، وأصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم ، والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات ، إنه لمعرق له في الموت . وقال في بعض خطبه : كم من عامر مؤنق عما قليل يخرب ، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن ، فأحسنوا - رحمكم الله - من الدنيا الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة ، بينما ابن آدم في الدنيا ينافس فيها قرير العين قانعا ، إذ دعاه الله بقدره ورماه بيوم حتفه ، فسلبه آثاره ودنياه ، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه ، إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر ، تسر قليلا ، وتحزن طويلا .

            وقال إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر ، قال : لما استخلف عمر بن عبد العزيز قام في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إنه لا كتاب بعد القرآن ، ولا نبي بعد محمد ، عليه السلام ، وإني لست بقاض ولكني منفذ ، وإني لست بمبتدع ولكني متبع ، إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ، ألا إن الإمام الظالم هو العاصي ، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل . وفي رواية أنه قال فيها : وإني لست بخير من أحد منكم ولكني أثقلكم حملا ، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، ألا هل أسمعت ؟

            آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز وقال أحمد بن مروان : بسنده عن شعيب بن صفوان ، حدثني ابن لسعيد بن العاص ، قال : كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى ، عليه ثم قال : أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثا ، ولن تتركوا سدى ، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع نافدا بباق ، وقليلا بكثير ، وخوفا بأمان ؟ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين ، وسيكون من بعدكم للباقين ، كذلك حتى نرد إلى خير الوارثين ؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله ، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد ، قد فارق الأحباب ، وباشر التراب ، وواجه الحساب ، فهو مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير إلى ما قدم ، فاتقوا الله قبل انقضاء مراقبته ونزول الموت بكم ، أما إني أقول هذا . ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله . وفي رواية : وايم الله ، إني لأقول قولي هذا ، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ، ولكنها سنن من الله عادلة ; أمر فيها بطاعته ، ونهى فيها عن معصيته . واستغفر الله ، ووضع كمه على وجهه فبكى حتى بل لحيته ، فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله .

            وروى أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن عمر بن عبد العزيز أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ، وهو يقول : " ادن يا عمر " . قال : فدنوت حتى خشيت أن أصيبه ، فقال : " إذا وليت فاعمل نحوا من عمل هذين " . وإذا كهلان قد اكتنفاه ، فقلت : ومن هذان ؟ قال : " هذا أبو بكر ، وهذا عمر " . وروينا أنه قال لسالم بن عبد الله بن عمر اكتب لي سيرة عمر حتى أعمل بها ، فقال له سالم : إنك لا تستطيع ذلك . قال : ولم ؟ قال : إنك إن عملت بها كنت أفضل من عمر ; لأنه كان يجد على الخير أعوانا ، وأنت لا تجد من يعينك على الخير .

            وقد روي أنه كان نقش خاتمه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وفي رواية : آمنت بالله . وفي رواية : الوفاء عزيز . وقد جمع يوما رءوس الناس فخطبهم ، فقال : إن فدك كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله ، ثم وليها أبو بكر ، وعمر كذلك . قال الأصمعي : وما أدري ما قال في عثمان . قال : ثم إن مروان أقطعها فحصل لي منها نصيب ، ووهبني الوليد وسليمان نصيبهما ، ولم يكن من مالي شيء أرد علي منها ، وقد رددتها في بيت المال على ما كانت عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فيئس الناس عند ذلك من المظالم ، ثم أخذ أموال جماعة من بني أمية فردها إلى بيت المال ، وسماها أموال المظالم ، فاستشفعوا إليه بالناس ، وتوسلوا إليه بعمته فاطمة بنت مروان فلم ينجع فيه ولم يرده عن الحق شيء ، وقال لهم : والله لتدعني ، وإلا ذهبت إلى مكة فنزلت عن هذا الأمر لأحق الناس به . وقال : والله لو أقمت فيكم خمسين عاما ما أقمت فيكم ما أريد من العدل ، وإني لأريد الأمر فما أنفذه إلا مع طمع من الدنيا حتى تسكن قلوبهم .

            وقال الإمام أحمد بسنده عن وهب بن منبه أنه قال : إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز . ونحو هذا قال قتادة ، وسعيد بن المسيب ، وغير واحد . وقال طاوس : هو مهدي وليس به ، إنه لم يستكمل العدل كله ، إذا كان المهدي تيب على المسيء من إساءته ، وزيد المحسن في إحسانه ، سمح بالمال ، شديد على العمال ، رحيم بالمساكين ، وقال قيس بن حبتر: (مثل عمر في بني أمية .. مثل مؤمن آل فرعون).

            وقال ميمون بن مهران: (إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز).

            عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين وقال مالك ، بسنده عن سعيد بن المسيب أنه قال : الخلفاء أبو بكر والعمران . فقيل له : أبو بكر وعمر قد عرفناهما ، فمن عمر الآخر ؟ قال : يوشك إن عشت أن تعرفه . يريد عمر بن عبد العزيز . وفي رواية أخرى عنه أنه قال : هو أشج بني مروان . وقال عباد السماك وكان يجالس سفيان الثوري : سمعت الثوري يقول : الخلفاء خمسة ; أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمر بن عبد العزيز . وهكذا روي عن أبي بكر بن عياش ، والشافعي ، وغير واحد . وأجمع العلماء قاطبة على أنه من أئمة العدل ، وأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين . وذكره غير واحد في الأئمة الاثني عشر ، الذين جاء فيهم الحديث الصحيح : " لا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى يكون فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " .

            وقد اجتهد رحمه الله في مدة ولايته مع قصرها حتى رد المظالم ، وصرف إلى كل ذي حق حقه ، وكان مناديه في كل يوم ينادي : أين الغارمون ؟ أين الناكحون ؟ أين المساكين ؟ أين اليتامى ؟ حتى أغنى كلا من هؤلاء . أيهما أفضل معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز وقد اختلف العلماء أيهما أفضل هو أو معاوية بن أبي سفيان ؟ ففضل بعضهم عمر لسيرته ومعدلته وزهده وعبادته ، وفضل آخرون معاوية لسابقته وصحبته ، حتى قال بعضهم : ليوم شهده معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأيامه ، وأهل بيته .

            وذكر الحافظ ابن عساكر في " تاريخه " أن عمر بن عبد العزيز كان يعجبه جارية من جواري زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، فكان يسألها إياها إما بيعا أو هبة ، فكانت تأبى عليه ذلك ، فلما ولي الخلافة ألبستها وطيبتها وأهدتها إليه ووهبتها له ، فلما أخلتها به أعرض عنها ، فتعرضت له فصدف عنها ، فقالت له : يا سيدي ، فأين ما كان يظهر لي من محبتك إياي ؟ فقال : والله إن محبتك لباقية كما هي ، ولكن لا حاجة لي في النساء ، فقد جاءني أمر شغلني عنك ، وعن غيرك . ثم سألها عن أصلها ، ومن أين جلبوها ، فقالت : يا أمير المؤمنين إن أبي أصاب جناية ببلاد المغرب ، فصادره موسى بن نصير فأخذت في الجناية ، وبعث بي إلى الوليد فوهبني الوليد لأخته فاطمة زوجتك ، فأهدتني إليك . فقال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كدنا والله نفتضح ونهلك ، ثم أمر بردها مكرمة إلى بلادها وأهلها .

            وقالت زوجته فاطمة : دخلت يوما عليه وهو جالس في مصلاه واضعا خده على يده ، ودموعه تسيل على خديه ، فقلت : ما لك ؟ فقال : ويحك يا فاطمة ، إني قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت ، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة ، والمظلوم المقهور ، والغريب ، والأسير ، والشيخ الكبير ، وذي العيال الكثير والمال القليل ، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد ، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته ، فرحمت نفسي فبكيت . كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله وقال ميمون بن مهران ولاني عمر بن عبد العزيز عمالة ، ثم قال لي : إذا جاءك كتاب مني على غير الحق فاضرب به الأرض . وكتب إلى بعض عماله : إذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم ، فاذكر قدرة الله عليك ، ونفاد ما تأتي إليهم ، وبقاء ما يأتون إليك . وقال عبد الرحمن بن مهدي ، بسنده عن عيسى بن عاصم ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإسلام سننا وشرائع وفرائض ، فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ، فإن أعش أبينها لكم لتعملوا بها ، وإن أمت فوالله ما أنا على صحبتكم بحريص . .

            وذكر الصولي أن عمر كتب إلى بعض عماله : عليك بتقوى الله ، فإنها هي التي لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا أهلها ، ولا يثاب إلا عليها ، وإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل . وقال أيضا : من علم أن كلامه من عمله أقل منه إلا فيما ينفعه ، ومن أكثر ذكر الموت اجتزأ من الدنيا باليسير . وقال أيضا : من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه ، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه . وكلمه رجل يوما حتى أغضبه فهم به عمر ثم أمسك نفسه ، ثم قال للرجل : أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فأنال منك ما تناله مني غدا ! قم عافاك الله ، لا حاجة لنا في مقاولتك . وكان يقول : إن أحب الأمور إلى الله القصد في الجد ، والعفو في المقدرة ، والرفق في الولاية ، وما رفق عبد بعبد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة .

            وقد كان عمر رحمه الله يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع ، من بلده وغيرها ، للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن ، في كل عام من بيت المال مائة دينار ، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا الناس بالسنة ، ويقول : إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله . وكتب إلى سائر البلاد أن لا يركب ذمي من اليهود والنصارى وغيرهم على سرج ، ولا يلبس قباء ولا طيلسانا ولا السراويل ولا يمشين أحد منهم إلا بزنار من جلد ، وهو مقرون الناصية ، ومن وجد منهم في منزله سلاح أخذ منه ، وكتب أيضا أن لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن ، فإن لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير . وكان يكتب إلى عماله : اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات ، فإن من أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا . وقد كان يكتب الموعظة إلى العامل من عماله فينخلع بها قلبه ، وربما عزل بعضهم نفسه عن العمالة من شدة ما تقع موعظته منه ، وذلك أن الموعظة إذا خرجت من قلب الواعظ دخلت قلب الموعوظ . وقد صرح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله عمر بن عبد العزيز ثقة ، وقد كتب إليه الحسن البصري بمواعظ حسان ولو تقصينا ذلك لطال هذا الفصل ، ولكن قد ذكرنا ما فيه إشارة إلى ذلك . وكتب إلى بعض عماله : أما بعد ، فإني أذكرك ليلة تمخض بالساعة فصباحها القيامة ، فيا لها من ليلة ويا له من صباح ، وكان يوما على الكافرين عسيرا . وكتب إلى آخر : أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك ، وانقطاع الرجاء منك . قالوا : فخلع هذا العامل نفسه من العمالة ، وقدم على عمر ، فقال له : ما لك ؟ فقال : خلعت قلبي بكتابك يا أمير المؤمنين ، والله لا أعود إلى ولاية أبدا . وأخرج عن جعونة قال: (ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة، فقال: اقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، ولا تكن في أولهم فتقتل، ولا في آخرهم فتفشل، ولكن كن وسطا حيث يرى مكانك، ويسمع صوتك).

            وأخرج عن السائب بن محمد قال: (كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك؟

            فكتب إليه عمر: أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط؛ فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام).

            وأخرج عن أمية بن يزيد القرشي قال: (كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى علي كتابه... قال: اللهم؛ إني أعوذ بك من شر لساني).

            وأخرج عن صالح بن جبير قال: (ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب، فأذكر أن في الكتاب مكتوبا: اتق غضبة الملك الشاب، فأرفق به حتى يذهب غضبه، فيقول لي بعد ذلك: لا يمنعك يا صالح ما ترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته).

            وأخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال: (قدم جرير بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز، فذهب ليقول، فنهاه عمر، فقال: إنما أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم... فاذكر، فقال:


            إن الذي ابتعث النبي محمدا     جعل الخلافة للأمير العادل
            رد المظالم حقها بيقينها     عن جورها، وأقام ميل المائل
            إني لأرجو منك خيرا عاجلا     والنفس مغرمة بحب العاجل

            فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقا!! قال: بلى يا أمير المؤمنين؛ إنني ابن سبيل، فأمر له من خاصة ماله بخمسين دينارا).

            وفي «الطيوريات» : (أن حريز بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز، فسأله عمر عن حال ابنه، ثم قال له: علمه الفقه الأكبر، قال: وما الفقه الأكبر؟ قال: القناعة وكف الأذى).

            وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن محمد بن كعب القرظي قال: (دعاني عمر بن عبد العزيز، فقال: صف لي العدل، فقلت: بخ!! سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل منهم أخا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم؛ وعلى قدر أجسادهم، ولا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتعدى فتكون من العادين).

            وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» عن الزهري: (أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مسته النار؛ حتى كان يتوضأ من السكر).

            وأخرج عن وهيب: (أن عمر بن عبد العزيز قال: من عد كلامه من عمله... قل كلامه).

            وقال الذهبي: (أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز، فاستتابه عمر، فقال: لقد كنت ضالا فهديتني، فقال عمر: اللهم إن كان صادقا وإلا... فاصلبه واقطع يديه ورجليه، فنفذت فيه دعوته، فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك، وقطعت أربعته، وصلب بدمشق في القدر).

            وقال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته:


            انه الفؤاد عن الصبا     وعن انقياد للهوى
            فلعمر ربك إن في     شيب المفارق والجلى
            لك واعظا لو كنت تتـ     ــعظ اتعاظ ذوي النهى
            حتى متى لا ترعوي     وإلى متى وإلى متى؟
            ما بعد أن سميت كهــــ     ــلا واستلبت اسم الفتى
            بلي الشباب وأنت إن     عمرت رهن للبلى
            وكفى بذلك زاجرا     للمرء عن غي كفى

            وخرج ابن له وهو صغير يلعب مع الغلمان فشجه صبي منهم ، فاحتملوا الصبي الذي شج ابنه وجاءوا به إلى عمر ، فسمع الجلبة فخرج إليهم ، فإذا مريئة تقول : إنه ابني ، وإنه يتيم . فقال لها عمر : أله عطاء في الديوان ؟ قالت : لا ، قال : فاكتبوه في الذرية . فقالت زوجته فاطمة : فعل الله به وفعل إن لم يشج ابنك ثانية . فقال : ويحك ، إنكم أفزعتموه .

            وقال مالك بن دينار يقولون : مالك زاهد . أي زهد عندي ! إنما الز?هد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها . قالوا : ولم يكن له سوى قميص واحد فكان إذا غسلوه جلس في المنزل حتى ييبس . وقد وقف مرة على راهب ، فقال له : ويحك عظني . فقال له : عليك بقول الشاعر


            تجرد من الدنيا فإنك إنما     خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

            قالوا : فكان يعجبه ويكرره وعمل به حق العمل .

            قالوا : ودخل على امرأته يوما فسألها أن تقرضه درهما أو فلوسا يشتري له بها عنبا ، فلم يجد عندها شيئا ، فقالت له : أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا ؟ ! فقال : هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدا في نار جهنم .

            قالوا : وكان سراج بيته على ثلاث قصبات في رأسهن طين . قالوا : وبعث يوما غلامه ليشوي له لحمة فجاءه بها سريعا مشوية ، فقال : أين شويتها ؟ قال : في المطبخ . فقال : في مطبخ المسلمين ؟ قال : نعم . فقال : كلها فإني لم أرزقها ، هي رزقك . وسخنوا له ماء في المطبخ العام فرد بدل ذلك بدرهم حطبا . وقالت زوجته : ما جامع ولا احتلم وهو خليفة .

            قالوا : وبلغ عمر بن عبد العزيز عن أبي سلام الأسود أنه يحدث عن ثوبان في الحوض ، فبعث إليه فأحضره على البريد ، وقال له كالمتوجع : ما أردنا المشقة عليك يا أبا سلام ، ولكن أردت أن تشافهني بالحديث مشافهة . فقال : سمعت ثوبان ، يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، أكاويبه عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين ، الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم السدد . فقال عمر : لكني نكحت المتنعمات ، فاطمة بنت عبد الملك ، وفتحت لي السدد فلا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ، ولا ألقى ثوبي حتى يتسخ .

            قالوا : وكان له سراج يكتب عليه حوائجه ، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين ، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفا . وكان يقرأ في المصحف كل يوم أول النهار ، ولا يطيل القراءة ، وكان له ثلاثمائة شرطي ، وثلاثمائة حرسي ، وأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فاشتمه ثم رده مع الرسول ، وقال له : قل له : قد بلغت محلها . فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ، وهذا رجل من أهل بيتك . فقال : إن الهدية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية ، فأما نحن فهي لنا رشوة .

            قالوا : وكان يوسع على عماله في النفقة ; يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار ، ومائتي دينار ، وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين ، فقالوا له : لو أنفقت على عيالك كما تنفق على عمالك ؟ فقال : لا أمنعهم حقا لهم ، ولا أعطيهم حق غيرهم . وكان أهله قد بقوا في جهد عظيم فاعتذر بأن معهم سلفا كثيرا من قبل ذلك ، وقال يوما لرجل من ولد علي : إني لأستحي من الله أن تقف ببابي ولا يؤذن لك . وقال لآخر منهم : إني لأستحي من الله وأرغب بك أن أدنسك بالدنيا لما أكرمكم الله به . وقال أيضا : كنا نحن وبنو عمنا بنو هاشم ، مرة لنا ومرة علينا ، نلجأ إليهم ويلجئون إلينا ، حتى طلعت شمس الرسالة فأكسدت كل نافق ، وأخرست كل منافق ، وأسكتت كل ناطق .

            وقال أحمد بن مروان : بسنده عن موسى بن أعين الراعي وكان يرعى الغنم لمحمد بن أبي عيينة قال : كانت الغنم والأسد والوحش ترعى في خلافة عمر بن عبد العزيز في موضع واحد ، فعرض لشاة منها ذئب ، فقلت : إنا لله ، ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك . قال : فحسبناه فوجدناه قد هلك في تلك الليلة .

            من دعاء عمر بن عبد العزيز ومن دعائه : اللهم إن رجالا أطاعوك فيما أمرتهم ، وانتهوا عما نهيتهم ، اللهم وإن توفيقك إياهم كان قبل طاعتهم إياك ، فوفقني . ومنه : اللهم ، إن عمر ليس بأهل أن تناله رحمتك ، ولكن رحمتك أهل أن تنال عمر .

            وقال له رجل : أبقاك الله ما كان البقاء خيرا لك . فقال : هذا شيء قد فرغ منه ، ولكن قل : أحياك الله حياة طيبة ، وتوفاك مع الأبرار . وقال له رجل : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أصبحت بطيئا بطينا ، متلوثا بالخطايا ، أتمنى على الله عز وجل .

            ودخل عليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن من كان قبلك كانت الخلافة لهم زين ، وأنت زين الخلافة ، وإنما مثلك يا أمير المؤمنين ، كما قال الشاعر :


            وإذا الدر زان حسن وجوه     كان للدر حسن وجهك زينا

            قال : فأعرض عنه عمر . وقال : أكثروا ذكر النعم فإن ذكرها شكرها . وقال : إنه ليمنعني من كثرة الكلام مخافة المباهاة . وبلغه أن رجلا من أصحابه توفي ، فجاء إلى أهله ليعزيهم فيه ، فصرخوا في وجهه بالبكاء عليه ، فقال : مه ، إن صاحبكم لم يكن يرزقكم ، وإن الذي يرزقكم حي لا يموت ، وإن صاحبكم هذا ، لم يسد شيئا من حفركم ، وإنما سد حفرة نفسه ، وإن لكل امرئ منكم حفرة لا بد والله أن يسدها ، إن الله عز وجل لما خلق الدنيا حكم عليها بالخراب وعلى أهلها بالفناء ، وما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة ، ولا اجتمعوا إلا تفرقوا ، حتى يكون الله هو الذي يرث الأرض ومن عليها ، فمن كان منكم باكيا فليبك على نفسه ، فإن الذي صار إليه صاحبكم ، كلكم يصير إليه غدا .

            خوف عمر بن عبد العزيز من الله وقال ميمون بن مهران خرجت مع عمر إلى القبور ، فقال لي : يا أبا أيوب ، هذه قبور آبائي بني أمية ، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم ، أما تراهم صرعى قد خلت فيهم المثلات ، واستحكم فيهم البلاء ؟ ثم بكى حتى غشي عليه ، ثم أفاق ، فقال : انطلقوا بنا فوالله لا أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور ، وقد أمن من عذاب الله .

            وقال غيره : خرج عمر بن عبد العزيز في جنازة ، فلما دفنت قال لأصحابه : قفوا حتى آتي قبور الأحبة . فأتاهم فجعل يبكي ويدعو ، إذ هتف به التراب ، فقال : يا عمر ألا تسألني ما فعلت في الأحبة ؟ قال : قلت : وما فعلت بهم ؟ قال : مزقت الأكفان ، وأكلت اللحوم ، وشدخت المقلتين ، وأكلت الحدقتين ، ونزعت الكفين من الساعدين ، والساعدين من العضدين ، والعضدين من المنكبين ، والمنكبين من الصلب ، والقدمين من الساقين ، والساقين من الفخذين ، والفخذين من الورك ، والورك من الصلب وعمر يبكي . فلما أراد أن يذهب قال له : يا عمر ، ألا أدلك على أكفان لا تبلى ؟ قال : وما هي ؟ قال : تقوى الله ، والعمل الصالح .

            وقال مرة لرجل من جلسائه : لقد أرقت الليلة مفكرا . قال : وفيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : في القبر وساكنه ، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته ، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ، ويجري فيه الصديد ، وتخترقه الديدان ، مع تغير الريح ، وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة ، وطيب الريح ، ونقاء الثوب . قال : ثم شهق شهقة خر مغشيا عليه .

            وقال مقاتل بن حيان : صليت وراء عمر بن عبد العزيز فقرأ وقفوهم إنهم مسئولون فجعل يكررها وما يستطيع أن يجاوزها . وقالت امرأته فاطمة : ما رأيت أحدا أكثر صلاة وصياما منه ، ولا أحدا أشد فرقا من ربه منه ، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عينه ، ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عينه . قالت : ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة ; فينتفض كما ينتفض العصفور في الماء ، ويجلس يبكي ، فأطرح عليه اللحاف رحمة له ، وأنا أقول : يا ليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين ، فوالله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها .

            وقال علي بن زيد : ما رأيت رجلين كأن النار لم تخلق إلا لهما مثل الحسن ، وعمر بن عبد العزيز . وقال بعضهم : رأيته يبكي حتى بكى دما . قالوا : وكان إذا أوى إلى فراشه قرأ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام [ الأعراف : 54 ] الآية . ويقرأ : أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ونحو هذه الآيات ، وكان يجتمع كل ليلة إليه أصحابه من الفقهاء فلا يذكرون إلا الموت والآخرة ، ثم يبكون حتى كأن بينهم جنازة .

            وقال أبو بكر الصولي عن المبرد كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بقول الشاعر :


            فما تزود مما كان يجمعه     سوى حنوط غداة البين في خرق
            وغير نفحة أعواد تشب له     وقل ذلك من زاد لمنطلق
            بأيما بلد كانت منيته     إن لا يسر طائعا في قصدها يسق

            ونظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة ، إلى قوم قد تلثموا من الغبار والشمس ، وانحازوا إلى الظل ، فبكى وأنشد :


            من كان حين تصيب الشمس جبهته     أو الغبار يخاف الشين والشعثا
            ويألف الظل كي تبقى بشاشته     فسوف يسكن يوما راغما جدثا
            في قعر مظلمة غبراء موحشة     يطيل في قعرها تحت الثرى لبثا
            تجهزي بجهاز تبلغين به     يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

            وقال المفضل بن غسان الغلابي : كان عمر بن عبد العزيز لا يجف فوه من هذا البيت :


            ولا خير في عيش امرئ لم يكن له     من الله في دار القرار نصيب

            وزاد غيره معه بيتا حسنا ، وهو قوله :


            فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها     متاع قليل والزوال قريب

            ومن شعره الذي أنشده ابن الجوزي :


            أنا ميت وعز من لا يموت     قد تيقنت أنني سأموت
            ليس ملك يزيله الموت ملكا     إنما الملك ملك من لا يموت

            وقال عبد الله بن المبارك : كان عمر بن عبد العزيز يقول :


            تسر بما يبلى وتفرح بالمنى     كما اغتر باللذات في النوم حالم
            نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
            وسعيك فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم

            وقال محمد بن كثير : قال عمر بن عبد العزيز يلوم نفسه ويعاتبها :


            أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم     وكيف يطيق النوم حيران هائم
            فلو كنت يقظان الغداة لحرقت     مدامع عينيك الدموع السواجم
            نهارك يا مغرور سهو وغفلة     وليلك نوم والردى لك لازم
            بل اصبحت في النوم الطويل وقد دنت     إليك أمور مفظعات عظائم
            وشغلك فيما سوف تكره غبه     كذلك في الدنيا تعيش البهائم

            وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك ، قالت : انتبه عمر ذات ليلة ، وهو يقول : لقد رأيت رؤيا معجبة . فقلت : أخبرني بها . فقال : حتى نصبح . فلما صلى الصبح بالمسلمين دخل فسألته عنها ، فقال : رأيت كأني دفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر ، وإذا فيها قصر كأنه الفضة ، فخرج منه خارج فنادى : أين محمد بن عبد الله ؟ أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل ذلك القصر ، ثم خرج آخر فنادى : أين أبو بكر الصديق ؟ فأقبل فدخل ، ثم خرج آخر فنادى : أين عمر بن الخطاب ؟ فأقبل فدخل ، ثم خرج آخر فنادى : أين عثمان بن عفان ؟ فأقبل فدخل ، ثم خرج آخر فنادى : أين علي بن أبي طالب ؟ فأقبل فدخل ، ثم خرج آخر فنادى : أين عمر بن عبد العزيز ؟ فقمت - فدخلت فجلست إلى جانب أبي عمر بن الخطاب ، وهو عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر عن يمينه ، وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : هذا عيسى بن مريم . ثم سمعت هاتفا يهتف ، بيني وبينه نور لا أراه ، وهو يقول : يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه ، واثبت على ما أنت عليه . قال : ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت ، فالتفت فإذا عثمان بن عفان وهو خارج من القصر ، وهو يقول : الحمد لله الذي نصرني ربي ، وإذا علي في إثره ، وهو يقول : الحمد لله الذي غفر لي ربي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية