إيقاع الحكم بأهل قرطبة
كان الحكم في صدر ولايته تظاهر بشرب الخمر والانهماك في اللذات ، وكانت قرطبة دار علم ، وبها فضلاء في العلم والورع ، منهم : يحيى بن يحيى الليثي ، راوي موطأ مالك عنه ، وغيره ، فثار أهل قرطبة ، وأنكروا فعله ، ورجموه بالحجارة ، وأرادوا قتله ، فامتنع منهم بمن حضر من الجند ، وسكن الحال .
ثم بعد أيام اجتمع وجوه أهل قرطبة وفقهاؤها ، وحضروا عند محمد بن القاسم القرشي المرواني ، عم هشام بن حمزة ، وأخذوا له البيعة على أهل البلد ، وعرفوه أن الناس قد ارتضوه كافة ، فاستنظر ليلة ليرى رأيه ، ويستخير الله - سبحانه وتعالى - فانصرفوا ، فحضر عند الحكم ، وأطلعه على الحال ، وأعلمه أنه على بيعته ، فطلب الحكم تصحيح الحال عنده ، فأخذ معه بعض ثقات الحكم ، وأجلسه في قبة في داره ، وأخفى أمره ، وحضر عنده القوم يستعلمون منه هل تقلد أمرهم أم لا ، فأراهم المخافة على نفسه ، وعظم الخطب عليهم ، وسألهم تعداد أسمائهم ومن معهم ، فذكروا له جميع من معهم من أعيان البلد ، وصاحب الحكم يكتب أسماءهم ، فقال لهم محمد بن القاسم : يكون هذا الأمر يوم الجمعة ، إن شاء الله ، في المسجد الجامع .
ومشى إلى الحكم مع صاحبه ، فأعلماه جلية الحال ، وكان ذلك يوم الخميس ، فما أتى عليه الليل حتى حبس الجماعة المذكورين عن آخرهم ، ثم أمر بهم بعد أيام ، فصلبوا عند قصره ، وكانوا اثنين وسبعين رجلا ، منهم : أخو يحيى بن يحيى ، وابن أبي كعب ، وكان يومهم يوما شنيعا ، فتمكنت عداوة الناس للحكم .