الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مسير هارون الرشيد إلى الري

            وفي سنة تسع وثمانين ومائة سار الرشيد إلى الري ، وسبب ذلك أن الرشيد لما استعمل علي بن عيسى بن ماهان على خراسان ظلم أهلها ، وأساء السيرة فيهم ، فكتب كبراء أهلها وأشرافها إلى الرشيد يشكون سوء سيرته وظلمه ، واستخفافه بهم ، وأخذ أموالهم . وقيل للرشيد : إن علي بن عيسى قد أجمع على الخلاف . فسار إلى الري في جمادى الأولى ، ومعه ابناه عبد الله المأمون ، والقاسم ، وكان قد جعله ولي عهد بعد المأمون ، وجعل أمره إلى المأمون إن شاء أقره ، وإن شاء خلعه ، وأحضر القضاة والشهود وأشهدهم أن جميع [ ما ] في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح والكراع وغير ذلك للمأمون ، وليس له فيه شيء .

            وأقام الرشيد بالري أربعة أشهر حتى أتاه علي بن عيسى من خراسان ، فلما قدم عليه أهدى له الهدايا الكثيرة ، والأموال العظيمة ، وأهدى لجميع من معه من أهل بيته ، وولده ، وكتابه ، وقواده ، من الطرف والجواهر وغير ذلك ، وكان إلى جانبه يحيى بن خالد ، فقال له : يا أبا علي ، هذا الذي أشرت علينا أن لا نوليه هذا الثغر فخالفناك فيه ، وكان في خلافك البركة . وهو كالمازح معه إذ ذاك فقال : يا أمير المؤمنين ، جعلني الله فداك ، أنا وإن كنت أحب أن أصيب في رأيي وأوافق في مشورتي ، فأنا أحب أن يكون رأي أمير المؤمنين أعلى ، وفراسته أثقب ، وما أحسن هذا وأكثره إن لم يكن وراءه ما تكره . قال : وما ذاك ؟ قال : إني أحسب أن أكثر هذا أخذ ظلما . فوقر ذلك في نفس الرشيد ، فلما عاث علي بن عيسى بخراسان ووتر أشرافها ، وأخذ أموالهم ، واستخف برجالهم شكى الناس سوء سيرته ، وسألوا أمير المؤمنين أن يبدلهم من أحب من كفاءته ، فدعا يحيى بن خالد فشاوره في أمر علي بن عيسى وفي صرفه ، وقال : أشر علي برجل ترضاه لذلك الثغر ، يصلح ما أفسد ذلك الفاسق ويرتق ما فتق . فأشار عليه بيزيد بن مزيد ، فلم يقبل .

            ولما أقام الرشيد بالري سير حسينا الخادم إلى طبرستان ، وكتب معه أمانا لشروين بن أبي قارن ، وأمانا لوندا هرمز ، جد مازيار ، وأمانا لمرزبان بن جستان ، ( صاحب الديلم ، فقدم جستان ) ووندا هرمز فأكرمهما ، وأحسن إليهما ، وضمن وندا هرمز السمع والطاعة ، وأداء الخراج عن شروين . ثم عاد إلى بغداد فأدركه عيد الأضحى بقصر اللصوص ، فضحى عنده ، ودخل بغداد لثلاث بقين من ذي الحجة ، فلما اجتاز بالجسر أمر بجثة جعفر بن يحيى البرمكي ، فأحرقت ، وكانت مصلوبة منذ قتله إلى هذا اليوم ، ثم ارتحل الرشيد من بغداد إلى الرقة وهو متأسف على بغداد وطيبها ، وإنما مراده بمقامه بالرقة ردع المفسدين بها ، وقد قال العباس بن الأحنف في سرعة خروجهم من بغداد مع الرشيد :

            ما أنخنا حتى ارتحلنا فما ن فرق بين المناخ والإرتحال     ساءلونا عن حالنا إذ قدمنا
            فقرنا وداعهم بالسؤال

            التالي السابق


            الخدمات العلمية