الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة خمس ومائتين

            ذكر ولاية طاهر خراسان

            وفي هذه السنة استعمل المأمون طاهر بن الحسين على المشرق ، من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق ، وكان قبل ذلك يتولى الشرط بجانبي بغداذ ومعاون السواد .

            وكان سبب ولايته خراسان أن طاهرا دخل على المأمون وهو يشرب النبيذ ، وحسين الخادم يسقيه ، فلما دخل طاهر سقاه رطلين ، وأمره بالجلوس ، فقال : ليس لصاحب الشرطة أن يجلس عند سيده . فقال المأمون : ذلك في مجلس العامة ، وأما في مجلس الخاصة فله ذلك .

            فبكى المأمون وتغرغرت عيناه بالدموع ، فقال طاهر : يا أمير المؤمنين ، لم تبكي - لا أبكى الله عينك - ؟ والله لقد دانت لك البلاد ، وأذعن لك العباد ، وصرت إلى المحبة في كل أمرك ! قال : أبكي لأمر ذكره ذل ، وستره حزن ، ولن يخلو أحد من شجن .

            وانصرف طاهر ، فدعا هارون بن جيعونة وقال له : إن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض ، فخذ معك ثلاثمائة ألف درهم ، فأعط حسينا الخادم مائتي ألف ، وكاتبه محمد بن هارون مائة ألف ، وسله أن يسأل المأمون لم بكى ؟ ففعل ذلك ، فلما تغدى المأمون قال : اسقني يا حسين ، قال : لا والله ، حتى تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر . قال : وكيف عنيت بهذا الأمر ، حتى سألتني عنه ؟ قال : لغمي لذلك . قال : هو أمر إن خرج من رأسك قتلتك . قال : يا سيدي ومتى أخرجت لك سرا ؟ قال : إني ذكرت محمدا أخي ، وما ناله من الذل ، فخنقتني العبرة ، فاسترحت إلى الإفاضة ، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره .

            فأخبر حسين طاهرا بذلك ، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد ، فقال له : إن الثناء مني ليس برخيص ، وإن المعروف عندي ليس بضائع ، فغيبني عن عينه ! فقال له : سأفعل ذلك . وركب أحمد إلى المأمون ، فلما دخل عليه قال له : ما نمت البارحة .

            قال : ولم ؟

            قال : لأنك وليت غسان خراسان ، وهو ومن معه أكلة رأس ، وأخاف أن تخرج عليه خارجة من الترك فتهلكه .

            فقال : لقد فكرت فيما فكرت فيه ، فمن ترى ؟

            قال : طاهر بن الحسين .

            قال : ويلك ! هو والله خالع .

            قال : أنا الضامن له .

            قال : فوله .

            فدعا طاهرا من ساعته ، فعقد له ، فشخص في يومه ، فنزل ظاهر البلد ، فأقام شهرا ، فحمل إليه عشرة آلاف ألف درهم التي تحمل لصاحب خراسان ، وسار عن بغداذ لليلة بقيت من ذي القعدة .

            وقيل كان سبب ولايته أن عبد الرحمن المطوعي جمع جموعا كثيرة بنيسابور ليقاتل بهم الحرورية بغير أمر والي خراسان ، فتخوفوا أن يكون ذلك لأصل عمل عليه ، وكان غسان بن عباد يتولى خراسان من قبل الحسن بن سهل ، وهو ابن عمه ، فلما استعمل طاهر على خراسان كان صارما للحسن بن سهل ، وسبب ذلك أن الحسن ندبه لمحاربة نصر بن شبث . قال : حاربت خليفة ، وسقت الخلافة إلى خليفة ، وأومر بمثل هذا ؟ إنما كان ينبغي أن يتوجه إليه قائد من قوادي . وصارم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية