الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            باب ذكر خلافة المستنجد بالله

            واسمه : يوسف بن المقتفي ولد في ربيع الأول سنة ثمان عشرة وخمسمائة وبويع بعد موت أبيه المقتفي وقيل إنه أريد به سوء ليولي غيره فدفع عنه فبايعه أهله وأقاربه وأولهم عمه أبو طالب ثم أبو جعفر بن المقتفي وكان أكبر من المستنجد ثم بايعه الوزير وقاضي القضاة وأرباب الدولة والعلماء ثم خطب له يوم الجمعة على المنابر ونثرت الدنانير والدراهم .

            وقال الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة قال : حدثني أمير المؤمنين المستنجد بالله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام منذ خمس عشرة سنة فقال لي : يبقى أثرك في الخلافة خمس عشرة سنة . فكان كما قال .

            قال : ورأيته صلى الله عليه وسلم في المنام قبل موت أبي بأربعة أشهر فدخل بي إلى باب كبير ثم ارتقى إلى رأس جبل وصلى بي ركعتين وألبسني قميصا ثم قال لي قل اللهم اهدني فيمن هديت وذكر دعاء القنوت . وذكر لي الوزير ابن هبيرة قال كان المستنجد قد بعث إلي مكتوبا مع خادم في حياة أبيه وكأنه أراد أن يسره عنه فأخذته وقبلته وقلت للخادم قل له والله ما يمكنني أن أقرأه ولا أن أجيب عنه . قال فأخذ ذلك في نفسه علي فلما ولي دخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين أكبر دليل في نصحي أني ما حابيتك نصحا لأمير المؤمنين قال صدقت أنت الوزير فقلت إلى متى ؟ فقال إلى الموت فقلت أحتاج والله إلى اليد الشريفة فأحلفته على ما ضمن لي .

            وحكى أن الوزير خدم بعد ذلك بحمل كثير من خيل وسلاح وغلمان وطيب ودنانير فبعث أربعة عشر فرسا عرابا فيها فرس أبيض يزيد ثمنه على أربعمائة دينار وست بغلات مثمنة وعشرة من الغلمان الأتراك فيهم ثلاثة خدم وعشرة زريات وخوذ وعشرة تخوت من الثياب وسفط فيه عود وكافور وعنبر وسفط فيه دنانير فقبلت منه وطاب قلبه .

            ولما بويع المستنجد أقر الوزير ابن هبيرة على الوزارة وأصحاب الولايات على ولاياتهم وأزال المكوس والضرائب وأمر بالجلوس لعزاء أبيه فتقدم إلي بالكلام في العزاء ووضع كرسي لطيف فتكلمت في بيت النوبة ثلاثة أيام وخرج في اليوم الثالث إلى الوزير توقيع نسخته : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون تسليما لأمر الله وقضائه فصبر الحكمة النافذ ومصابه في الإمام السعيد الذي عظم الله مصابه واعتاض حلو العيش صابه وفت في عضد الإسلام وغدا به الدين واهي النظام إن الصبر عليه لبعيد وإن الكمد عليه مع الأيام جديد لقد كان سكينة مغشية المراد ورحمة منتشرة في العباد برا بهم رءوفا متحننا [عليهم ] عطوفا فجدد الله سبحانه لديه من كراماته الراجحة وتحياته الغادية الرائحة ما يحله بحبوحة جنانه وينيله مبتغاه من إحسانه ومع ما من الله عليه من استقرار الأمر في نصابه وحفظه على من هو أولى به فليس إلا التسليم إلى المقدور والتفويض إليه سبحانه في جميع الأمور فهو يوفي المثوبة والأجر والسعيد من كان عمله في دنياه لأخراه ورجوعه إلى الله سبحانه في بدايته وعقباه والله تعالى يوفق أمير المؤمنين لما عاد برضاه وصلاح رعاياه ليعود النظام إلى اتساقه ونور الإمامة إلى إشراقه فانهض أنت إلى الديوان لتنفيذ المهام ولتثق بشمول الإنعام ولتأمر الحاضرين بالانكفاء إلى الخدمات وليتقدم بضرب النوبة في أوقات الصلوات .

            وكان الوزير في اليومين يجيء ماشيا فقدمت إليه فرسه في اليوم الثالث فركب وتقدم في هذا اليوم بالقبض على ابن المرخم الذي كان قاضيا وكان بئس الحاكم آخذ الرشى واستصفيت أمواله وأعيد منها على الناس ما ادعوا عليه وكان قد ضرب فلم يقر فضرب ابنه فأقر بأموال كثيرة وأحرقت كتبه في الرحبة وكان منها كتاب الشفاء وإخوان الصفاء وحبس فمات في الحبس .

            وأسقطت الضرائب وما كان ينسب إلى سوق الخيل والجمال والغنم والسمك والمدبغة والبيع في جميع أعمال العراق وأفرج عن جماعة كانوا مطالبين بأموال وقد تقدم أستاذ الدار فخلع عليه فجعل أمير حاجب وتقدم إلى الوزير بالقيام له .

            وخلع المستنجد بالله عند انتهاء شهر والده على أرباب الدولة وخلع علي خلعة وعلى عبد القادر وأبي النجيب وابن شقران وأذن لنا في الجلوس بجامع القصر وتكلمت في الجامع يوم السبت ثامن عشرين ربيع الآخر فكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف وخمسة عشر ألفا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية