الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة ، في صفر ، وقع بأصفهان فتنة عظيمة بين صدر الدين عبد اللطيف بن الخجندي وبين القاضي  وغيره من أصحاب المذاهب ، بسبب التعصب للمذاهب ، فدام القتال بين الطائفتين ثمانية أيام متتابعة قتل فيها خلق كثير ، واحترق وهدم كثير من الدور والأسواق ، ثم افترقوا على أقبح صورة . وفيها بنى الإسماعيلية قلعة بالقرب من قزوين ، فقيل لشمس الدين إيلدكز عنها ، فلم يكن له إنكار لهذه الحال خوفا من شرهم وغائلتهم ، فتقدموا بعد ذلك إلى قزوين ، فحصروها ، وقاتلهم أهلها أشد قتال رآه الناس .

            وحكى لي بعض أصدقائنا بل مشايخنا من الأئمة الفضلاء ، قال : كنت بقزوين أشتغل بالعلم ، وكان بها إنسان يقود جمعا كبيرا ، وكان موصوفا بالشجاعة ، وله عصابة حمراء ، إذا قاتل عصب بها رأسه ، قال : فكنت أحبه وأشتهي الجلوس معه ، قال : فبينما أنا عنده يوما إذا هو يقول : كأني بالملاحدة وقد قصدوا البلد غدا ، فخرجنا إليهم وقاتلناهم ، فكنت أول الناس وأنا متعصب بهذه العصابة ، فقتلناهم ، فلم يقتل غيري ، ثم ترجع الملاحدة ، ويرجع أهل البلد .

            قال : فو الله لما كان الغد إذ قد وقع الصوت بوصول الملاحدة ، فخرج الناس ، قال : فذكرت قول الرجل ، فخرجت والله وليس لي همة إلا [ أن ] أنظر هل يصح ما قال أم لا ؟ قال : فلم يكن إلا قليل حتى عاد الناس وهو محمول على أيديهم قتيلا بعصابته الحمراء ، وذكروا أنه لم يقتل بينهم غيره ، فبقيت متعجبا من قوله كيف صح ، ولم يتغير منه شيء ، ومن أين له هذا اليقين ؟

            ولما حكى لي هذه الحكاية لم أسأله عن تاريخها ، وإنما كان في هذه المدة في تلك البلاد ، فلهذا أثبتها هذه السنة على الظن والتخمين . وفيها قبض المؤيد أي أبه ، صاحب نيسابور ، على وزيره ضياء الملك محمد بن أبي طالب سعد بن أبي القاسم محمود الرازي وحبسه ، واستوزر بعده نصير الدين أبا بكر محمد بن أبي نصر محمد المستوفي ، وكان أيام السلطان سنجر يتولى إشراف ديوانه ، وهو من أعيان الدولة السنجرية . وفي هذه السنة وردت الأخبار أن الناس حجوا سنة تسع وخمسين ، ولقوا شدة ، وانقطع منهم خلق كثير في فيد ، والثعلبية ، وواقصة ، وغيرها ، وهلك كثير ، ولم يمض الحاج إلى مدينة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لهذه الأسباب ، ولشدة الغلاء فيها ، وعدم ما يقتات ، ووقع الوباء في البادية وهلك منهم عالم لا يحصون ، وهلكت مواشيهم ، وكانت الأسعار بمكة غالية . وقدم مع الحاج فخر الدين بن المطلب . فمنع من دخول الحريم وذكر أن السبب أنه طلب موضع له يشترى للخليفة فتكلم بكلام لا يصلح فقبض على عقاراته وغضب عليه فأقام في رباط الزوزني أياما ثم مضى إلى الدور مستجيرا بالوزير ليصلح حاله مع الخليفة .

            قال ابن الجوزي فحدثني أخو الوزير قال كتب إلى الوزير أن أحسن ضيافته ثلاثا ثم آمره أن يخرج ففعلت فخرج فأقام بمشهد علي عليه السلام . وفيها ، في صفر ، قبض المستنجد بالله على الأمير توبة بن العقيلي ، وكان قد قرب منه قربا عظيما بحيث يخلو معه ، وأحبه المستنجد محبة كثيرة ، فحسده الوزير ابن هبيرة ، فوضع كتبا من العجم مع قوم وأمرهم أن يتعرضوا ليؤخذوا ، ففعلوا ذلك وأخذوا وأحضروا عند الخليفة ، فأظهروا الكتب بعد الامتناع الشديد ، فلما وقف الخليفة عليها خرج إلى نهر الملك يتصيد ، وكانت حلل توبة على الفرات ، فحضر عنده ، فأمر بالقبض عليه ، فقبض وأدخل بغداد ليلا وحبس ، فكان آخر العهد به ، فلم يمتع الوزير بعده بالحياة بل مات بعد ثلاثة أشهر ، وكان توبة من أكمل العرب مروءة وعقلا وسخاء وإجازة ، واجتمع فيه من خلال الكمال ما تفرق في الناس .وفي عيد الأضحى : ولدت امرأة من درب بهروز يقال لها بنت أبي الأعز الأهوازي الجوهري أربع بنات وماتت معها بنت أخرى وماتت المرأة ولم يسمع بمثل هذا . وحكى أبو الفرج بن الحسين الحداد أن البراج وكان ناظرا في وقف النظامية وكان ابن الرميلي مشرفا عليه والمدرس يوسف الدمشقي فاتفق ابن البراج وابن الرميلي على أن يكتبا كتابا على لسان ألدكز إلى يوسف الدمشقي يتضمن أنه من بطانتهم وأنه يشعرهم بما يتجدد في بغداد من الأمور وأن يشكره على ما يصل إليهم منه عولا على أن يدخلا على يوسف إلى بيته ويسلما عليه ويضعا الكتاب عند مسنده بحيث لا يشعر ثم يخرجا من فورهما إلى الديوان فيعلما الوزير بذلك فانفرد ابن الرميلي على ابن البراج ودخل إلى حاجب الباب فأعلمه بذلك فمضى حاجب الباب إلى الوزير فحدثه فاستدعى ابن الرميلي فسئل عن ذلك فأنكر فأكذبه حاجب الباب واستخف به فقال ابن الرميلي إنما ابن البراج هو الذي يريد أن يفعل ذلك فاستدعي ابن البراج فأنكر وأحال على ابن الرميلي وحلف بالطلاق الثلاث أنه ما عنده خبر من هذا وقذف ابن الرميلي بالفسق واستبا جميعا فقال لهما الوزير قوما قبحكما الله فخرجا مفتضحين ونجا يوسف . وعملت الدعوة في دار الخلافة يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة وحضر أرباب الدولة والصوفية على عادتهم وخلع عليهم وفرق عليهم مال . وفي رجب : نقص اليزدي عن مشاهرته التي كانت بسبب التدريس بجامع السلطان وكان مبلغها عشرة دنانير فكتب أقوام يقولون نحن نقنع بثلاثة فقيل لهم هو أحق بهذا فقنع بذلك ودرس ورضي بذلك القدر . وتوفي الوزير فقبض على ولديه وأخذ حاجبه ابن تركان فحبس في دار أستاذ الدار

            وقدم رجل مغربي فنصب جذعا طويلا ووقف على رأسه يعالج فحاكاه صبي عجان وطاف العجان البلاد فقدم وقد اكتسب الأموال والجواري والخدم فنصب جذعين طويلين شد أحدهما إلى الآخر وصعد ورقص على كرة معه بحبال وحمل جرة ماء على رأسه ولبس سراويله هنا ورمى نفسه واستقبلها بحبل مشدود فحصل له مبلغ . وفي ذي القعدة : وقع الحريق في السوق الجديد من درب فراشة إلى مشرعة الصباغين من الجانبين فذهب في ساعة حتى لم يبق للخشب الذي في الحيطان أثر . وفي ذي الحجة : وقع حريق في الحضائر والدور التي تليها وتفاقم الأمر . ورخص السكر في هذه السنة والنبات فكان ينادى على السكر قيراط وحبة رطل وعلى النبات نصف رطل بقيراط وحبة وحبة وهذا شيء لم يعهد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية