الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة عصى غازي بن حسان المنبجي على نور الدين محمود بن زنكي  صاحب الشام ، وكان نور الدين قد أقطعه مدينة منبج ، فامتنع عليه فيها ، فسير إليهم عسكرا ، فحصروه ، وأخذوها منه ، وأقطعها نور الدين أخاه قطب الدين ينال بن حسان ، وكان عادلا ، خيرا ، محسنا إلى الرعية ، جميل السيرة ، فبقي فيها إلى أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة . ووصل صاحب المخزن إلى بغداد من مكة وجاء رخص الزاد وكثرة الماء وأنهم نقضوا القبة التي بنيت بالمدينة للمصريين . وفي يوم الأربعاء ثامن عشر صفر أخرج ابن الوزير الكبير المسمى شرف الدين من محبسه ميتا فدفن عند أبيه بباب البصرة . وفي سابع رجب عملت الدعوة في دار الخليفة وفرقت الأموال . وفي يوم الخميس ثاني عشر رجب جاء رجال ونساء من الجانب الغربي من الحريم إلى نهر معلى فاستعاروا حليا للعرس فأعيروا فنزلوا في سميرية ليمضوا إلى الحريم فلما وصلت السفينة إلى الجناح عند دار السلطان انكفأت بهم فغرقوا وتلف ما معهم .

            وفي هذا اليوم هبت ريح شديدة قصفت النخل والشجر ورمت الأخصاص وتبعها مطر وبرد كثير ووقع بهذه الريح حائط من دار بيت القهرمانة في الجانب الغربي مما يلي الحريم فظهر بين الآجر سطيحة فيها تسعة أرطال ذهبا فأخذها الذي وجدها وأعلم بها المخزن فأخذت منه وذكر أن هذا الذهب خبأه ابن القهرمانة لأولاده وأعلم به غلاما له وقال قد تركت في هذا الحائط ذهبا لأولادي فلا تعلمهم به إلا أن يحتاجوا إليه فلما مات أخبرهم به الغلام وزعم أنه قد شذ منه الموضع فضربوه فمات . وفي هذه السنة: تزوج أمير المؤمنين ابنة عمه أبي نصر بن المستظهر بالله واجتمع بها في أيام الدعوة التي تختص بالصوفية . وفي يوم السبت عاشر شوال: عبر أهل بغداد إلى الجانب الغربي نحو الظاهرية يتفرجون في صيد السمك لأن الماء زاد في الفرات حتى فاض إلى تلك الأجمة ولها نيف وثلاثون سنة لم ينعقد فيها سمك وإنما صارت مزارع فكثر سمكها . وفي هذه السنة عاد ضمانها حتى كان يباع ثلاثة أرطال أو أربعة أرطال بحبة . وفي ذلك يقول عرقلة المسمى بحسان الشاعر :


            أقول والأتراك قد أزمعت مصر إلى حرب الأعاريب     رب كما ملكتها يوسف الص
            ديق من أولاد يعقوب     يملكها في عصرنا يوسف الص
            ادق من أولاد أيوب     من لم يزل ضراب هام العدا
            حقا وضراب العراقيب

            وفي هذه السنة في شعبان منها كان قدوم العماد الكاتب من بغداد إلى دمشق وهو أبو حامد محمد بن محمد الأصبهاني ، صاحب " الفتح القدسي " و " البرق الشامي " و " الخريدة " وغير ذلك من المصنفات ، فأنزله قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري بالمدرسة النورية الشافعية داخل باب الفرج ، فنسبت إليه لسكناه بها ، فيقال لها : العمادية ، ثم ولي تدريسها في سنة سبع وستين بعد الشيخ الفقيه ابن عبد ، وأول من جاء للسلام عليه نجم الدين أيوب ; كانت له به معرفة من تكريت ، فامتدحه العماد بقصيدة ذكرها الشيخ شهاب الدين أبو شامة ، وكان أسد الدين شيركوه وصلاح الدين يوسف بمصر فبشره فيها بولاية صلاح الدين الديار المصرية حيث يقول :


            ويستقر بمصر يوسف وبه     تقر بعد التنائي عين يعقوب
            ويلتقي يوسف فيها بإخوته     والله يجمعهم من غير تثريب

            ثم ولي العماد كتابة الإنشاء للملك نور الدين ، رحمه الله .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية