ثم دخلت سنة ثلاث وستين وخمسمائة
ذكر فراق زين الدين الموصل وتحكم قطب الدين في البلاد
في هذه السنة فارق زين الدين علي بن بكتكين ، والنائب عن قطب الدين مودود بن زنكي ، صاحب الموصل ، خدمة صاحبه بالموصل ، وسار إلى إربل ، وكان هو الحاكم في الدولة ، وأكثر البلاد بيده ، منها إربل ، وفيها بيته وأولاده وخزانته ، ومنها شهرزور وجميع القلاع التي معها ، وجميع بلد الهكارية وقلاعه ، منها العمادية وغيرها ، وبلد الحميدية ، وتكريت وسنجار وحران ، وقلعة الموصل هو بها ، وكان قد أصابه طرش وعمى أيضا ، فلما عزم على مفارقة الموصل إلى بيته بإربل سلم جميع ما كان بيده من البلاد إلى قطب الدين مودود ، وبقي معه إربل حسب .
وكان شجاعا ، عاقلا ، عادلا ، حسن السيرة ، سليم القلب ، ميمون النقيبة ، لم ينهزم من حرب قط ، وكان كريما كثير العطاء للجند وغيرهم ، مدحه الحيص بيص بقصيدة ، فلما أراد أن ينشده قال : أنا لا أعرف ما يقول ، ولكني أعلم أنه يريد شيئا ، فأمر له بخمسمائة دينار وفرس وخلعة وثياب مجموع ذلك ألف دينار ، ولم يزل بإربل إلى أن مات بها بهذه السنة .
ولما فارق زين الدين قلعة الموصل سلمها قطب الدين إلى فخر الدين عبد المسيح وحكمه في البلاد ، فعمر القلعة ، وكانت خرابا لأن زين الدين كان قليل الالتفات إلى العمارة ، وسار عبد المسيح سيرة سديدة وسياسة عظيمة ، وهو خصي أبيض من مماليك زنكي أتابك عماد الدين .