الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب




            انهزام سيف الدين من صلاح الدين

            كتب صاحب الموصل سيف الدين غازي ابن أخي نور الدين إلى جماعة الحلبيين يلومهم على ما وقع بينهم وبين الملك صلاح الدين من المصالحة ، وقد كان إذ ذاك مشغولا بمحاصرة أخيه عماد الدين زنكي بسنجار - وليست هذه بفعلة صالحة - وما كان سبب قتاله لأخيه إلا انتماؤه إلى طاعة الملك الناصر وذويه فاصطلح مع أخيه حين عرف قوة الناصر وناصريه ، ثم حرض الحلبيين على نبذ العهود إلى الملك صلاح الدين ، فأرسلوا إليه بالعهود التي عاهدوه عليها ودعوه إليها ، فاستعان عليهم بالله وأرسل إلى الجيوش المصرية ليقدموا إليه فأقبل صاحب الموصل في عساكره ومشاريه ودساكره . واجتمع بابن عمه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ، وسار في عشرين ألف مقاتل على الخيول الضمر الجرد الأبابيل ، وسار نحوهم الناصر وهو كالهزبر الكاسر ، وإنما معه ألف فارس من الحماة و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله [ البقرة : 229 ] ولكن الجيوش قد خرجت من الديار المصرية في جحافل كالجبال وعدة وعدد كالرمال ، فاجتمع الفريقان وتداعوا للنزال ، وذلك في يوم الخميس العاشر من شوال فاقتتلوا قتالا هائلا ، حتى حمل السلطان بنفسه الكريمة ، وكانت بإذن الله الهزيمة ، فقتلوا خلقا من الحلبيين والمواصلة وأخذوا مضارب الملك سيف الدين غازي وحواصله وأسروا جماعة من رءوسهم فأطلقهم السلطان بعدما أفاض الخلع على أبدانهم ورءوسهم ، وقد كانوا استعانوا بجماعة من الفرنج في حال القتال ، وليس هذا من صنيع الصناديد الأبطال . وقد وجد السلطان في مخيم السلطان غازي شيئا من الأقفاص التي فيها الطيور المطربة - وذلك في مجلس شرابه المسكر - وكيف من كان هذا مسلكه ومذهبه ينتصر ؟! فأمر السلطان بردها عليه وتسييرها إليه ، وقال للرسول : قل له بعد وصولك إليه وسلامك عليه : اشتغالك بهذه الطيور أحب إليك من الوقوع فيما رأيت من المحذور . وغنم السلطان من أموالهم شيئا كثيرا ففرقه على أصحابه وأحبابه وأنصاره غيبا كانوا أو حضورا ، وأنعم بخيمة الملك سيف الدين غازي على ابن أخيه عز الدين فروخشاه بن شاهنشاه بن نجم الدين ، ورد ما كان في وطاقه من الجواري والمغنيات ، وقد كان معه أكثر من مائة مغنية ورد الأقفاص وآلات اللعب إلى حلب وقال : قولوا له : هذا أحب إليك من الحرب . ووجد عسكر المواصلة كالحانة من كثرة الخمور والبرابط والملاهي ، وهذه سبيل من هو عن طريق الخير ساه لاه . وقد ذكر العماد الكاتب في كتاب " البرق الشامي " في تاريخ الدولة الصلاحية أن سيف الدين كان عسكره في هذه الوقعة عشرين ألف فارس ، ولم يكن كذلك ، إنما كان على التحقيق يزيد على ستة آلاف فارس أقل من خمسمائة ، فإنني وقفت على جريدة العرض ، وترتيب العسكر للمصاف ميمنة وميسرة وقلبا وجاليشية ، وغير ذلك ، وكان المتولي لذلك والكاتب له أخي مجد الدين أبا السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم - رحمه الله - وإنما قصد العماد أن يعظم أمر صاحبه بأنه هزم بستة آلاف عشرين ألفا ، والحق أحق أن يتبع ، ثم يا ليت شعري كم هي الموصل وأعمالها إلى الفرات حتى يكون لها وفيها عشرون ألف فارس ؟

            التالي السابق


            الخدمات العلمية