الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الغلاء والوباء العام

            في سنة أربع وسبعين وخمسمائة انقطعت الأمطار بالكلية في سائر البلاد الشامية والجزيرة والبلاد العراقية ، والديار بكرية ، والموصل وبلاد الجبل ، وخلاط ، وغير ذلك ، واشتد الغلاء ، وكان عاما في سائر البلاد ، فبيعت غرارة الحنطة بدمشق وهي اثنا عشر مكوكا بالموصلي ، بعشرين دينارا صورية عتقا ، وكان الشعير بالموصل كل ثلاثة مكاكي بدينار أميري ، وفي سائر البلاد ما يناسب ذلك .

            واستسقى الناس في أقطار الأرض ، فلم يسقوا ، وتعذرت الأقوات وأكلت الناس الميتة وما ناسبها ، ودام كذلك إلى آخر سنة خمس وسبعين [ وخمسمائة ] ، ثم تبعه بعد ذلك وباء شديد عام أيضا ، كثر فيه الموت ، وكان مرض الناس شيئا واحدا ، وهو السرسام ، وكان الناس لا يلحقون يدفنون الموتى ، إلا أن بعض البلاد كان أشد من البعض .

            ثم إن الله تعالى رحم العباد والبلاد والدواب وأرسل الأمطار ، وأرخص الأسعار .

            ومن عجيب ما رأيت أنني قصدت رجلا من العلماء الصالحين بالجزيرة لأسمع عليه شيئا من حديث النبي - عليه السلام - في شهر رمضان سنة خمس وسبعين [ وخمسمائة ] ، والناس في أشد ما كانوا غلاء وقنوطا من الأمطار ، وقد توسط الربيع ولم تجئ قطرة واحدة من المطر ، فبينا أنا جالس ومعي جماعة ننتظر الشيخ ، إذ أقبل إنسان تركماني قد أثر عليه الجوع ، وكأنه قد أخرج من قبر ، فبكى وشكا الجوع ، فأرسلت من يشتري له خبزا ، فتأخر إحضاره لعدمه ، وهو يبكي ويتمرغ على الأرض ويشكو الجوع ، فلم يبق فينا إلا من بكى رحمة له وللناس ، ففي الحال تغيمت السماء وجاءت نقط من المطر متفرقة ، فضج الناس واستغاثوا ، ثم جاء الخبز ، فأكل التركماني بعضه ، وأخذ الباقي ومشى واشتد المطر ودام المطر من تلك الساعة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية