الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غارات الفرنج على بلاد المسلمين

            في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، في ذي القعدة ، اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم ، فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا ، فأرسل صلاح الدين فرخشاه ، ولد أخيه ، في جمع من العسكر إليهم ، وأمره أنه إذا قاربهم يرسل إليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه ، وتقدم إليه أن يأمر أهل البلد بالانتزاح من بين يدي الفرنج ، فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم ، فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه ، فاضطر إلى القتال ، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس ، وألقى فرخشاه نفسه عليهم ، وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه ، فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم ، وقتل من مقدميهم جماعة ومنهم هنفري ، وما أدراك ما هنفري ؟ به كان يضرب المثل في الشجاعة والرأي في الحرب ، وكان بلاءا صبه الله على المسلمين ، فأراح الله من شره . وقتل غيره من أضرابه ، ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس .

            ثم ركب السلطان صلاح الدين في إثر ابن أخيه فما وصل إلى الكسوة حتى تلقته الرءوس على الرماح ، والغنائم والأسارى ، والجيش في سمره وبيضه من البنادق والصفاح .

            وفيها بنت الفرنج - لعنهم الله - قلعة عند بيت الأحزان للداوية ، فجعلوها مرصدا لحرب المسلمين ، وقطع طريقهم عليهم ، ونقضت ملوكهم العهود التي كانت بينهم وبين صلاح الدين ، وأغاروا على نواحي البلدان من كل جانب ; ليشغلوا المسلمين عنهم ، وتفرقت جيوشهم فلا تجتمع في بقعة واحدة ، فرتب السلطان ابن أخيه تقي الدين عمر بثغر حماة ومعه شمس الدين بن مقدم وسيف الدين علي بن أحمد المشطوب ، وبثغر حمص ابن عمه ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه ، وبعث إلى أخيه سيف الدين أبي بكر العادل نائبه بمصر أن يبعث إليه ألفا وخمسمائة فارس يستعين بهم على قتال الفرنج ، وكتب إلى الفرنج يأمرهم بتخريب هذا الحصن الذي بنوه للداوية ، فامتنعوا إلا أن يبذل لهم ما غرموه عليه ، فبذل لهم ستين ألف دينار فلم يقبلوا ، فوصلهم إلى مائة ألف دينار فأبوا ، فقال له ابن أخيه تقي الدين عمر : ابذل هذه في جنود المسلمين ، وسر إلى هذا الحصن فخربه . فأخذ بقوله في ذلك وخربه في السنة الآتية .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية