غارات الفرنج على بلاد المسلمين
في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، في ذي القعدة ، اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم ، فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا ، فأرسل صلاح الدين فرخشاه ، ولد أخيه ، في جمع من العسكر إليهم ، وأمره أنه إذا قاربهم يرسل إليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه ، وتقدم إليه أن يأمر أهل البلد بالانتزاح من بين يدي الفرنج ، فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم ، فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه ، فاضطر إلى القتال ، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس ، وألقى فرخشاه نفسه عليهم ، وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه ، فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم ، وقتل من مقدميهم جماعة ومنهم هنفري ، وما أدراك ما هنفري ؟ به كان يضرب المثل في الشجاعة والرأي في الحرب ، وكان بلاءا صبه الله على المسلمين ، فأراح الله من شره . وقتل غيره من أضرابه ، ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس .
ثم ركب السلطان صلاح الدين في إثر ابن أخيه فما وصل إلى الكسوة حتى تلقته الرءوس على الرماح ، والغنائم والأسارى ، والجيش في سمره وبيضه من البنادق والصفاح .
، فجعلوها مرصدا لحرب المسلمين ، وقطع طريقهم عليهم ، ونقضت ملوكهم العهود التي كانت بينهم وبين صلاح الدين ، وأغاروا على نواحي البلدان من كل جانب ; ليشغلوا المسلمين عنهم ، وتفرقت جيوشهم فلا تجتمع في بقعة واحدة ، فرتب السلطان ابن أخيه تقي الدين عمر بثغر حماة ومعه شمس الدين بن مقدم وسيف الدين علي بن أحمد المشطوب ، وبثغر حمص ابن عمه ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه ، وبعث إلى أخيه سيف الدين أبي بكر العادل نائبه بمصر أن يبعث إليه ألفا وخمسمائة فارس يستعين بهم على قتال الفرنج ، وكتب إلى الفرنج يأمرهم بتخريب هذا الحصن الذي بنوه للداوية ، فامتنعوا إلا أن يبذل لهم ما غرموه عليه ، فبذل لهم ستين ألف دينار فلم يقبلوا ، فوصلهم إلى مائة ألف دينار فأبوا ، فقال له ابن أخيه تقي الدين عمر : ابذل هذه في جنود المسلمين ، وسر إلى هذا الحصن فخربه . فأخذ بقوله في ذلك وخربه في السنة الآتية . وفيها بنت الفرنج - لعنهم الله - قلعة عند بيت الأحزان للداوية