الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خلافة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء

             لما توفي أبوه في سلخ شوال من سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، بايعه الأمراء والوزراء والكبراء والخاصة والعامة ، وكان قد خطب له على المنابر في حياة أبيه قبل موته بيسير ، فقيل : إنه إنما عهد له قبل موته بيوم ، وقيل : بأسبوع . ولكن قدر الله ، عز وجل ، أنه لم يختلف عليه اثنان بعد وفاة أبيه ، ولقب بالخليفة الناصر لدين الله ، ولم يل الخلافة من بني العباس قبله أطول مدة منه ، فإن خلافته امتدت إلى سنة وفاته في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ; وكان ذكيا شجاعا مهيبا. ولما مات المستضيء شرع ظهير الدين ابن العطار في أخذ البيعة لولده الناصر لدين الله ، أمير المؤمنين ، فلما تمت البيعة صار الحاكم في الدولة أستاذ الدار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب .

            وفي سابع ذي القعدة قبض على ابن العطار ظهير الدين ، ووكل عليه في داره ، ثم نقل إلى التاج ، وقيد ووكل به ، وطلبت ودائعه وأمواله ، وفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة أخرج ميتا على رأس حمال سرا ، فغمز به بعض الناس ، فثار به العامة ، فألقوه عن رأس الحمال ، وكشفوا سوءته وشدوا في ذكره حبلا وسحبوه في البلد ، وكانوا يضعون بيده مغرفة يعني أنها قلم وقد غمسوها في العذرة ويقولون : وقع لنا يا مولانا ، إلى غير هذا من الأفعال الشنيعة ، ثم خلص من أيديهم ودفن .

            هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم وكفه عن أموالهم وأعراضهم .

            وسيرت الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة ، فسير صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان ، صاحب همذان وأصفهان والري وغيرها ، فامتنع من البيعة ، فراجعه صدر الدين ، وأغلظ له في القول ، حتى أنه قال لعسكره في حضرته : [ ليس ] لهذا عليكم طاعة ما لم يبايع أمير المؤمنين ، بل يجب عليكم أن تخلعوه من الإمارة ، وتقاتلوه ، فاضطر إلى البيعة والخطبة ، وأرسل إلى رضي الدين القزويني مدرس النظامية إلى الموصل لأخذ البيعة ، فبايع صاحبها ، وخطب للخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية