الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفاة شمس الدولة تورانشاه بن أيوب

            في سنة ست وسبعين وخمسمائة توفي شمس الدولة تورانشاه بن أيوب ، أخو صلاح الدين الأكبر ، بالإسكندرية ، وكان قد أخذها من أخيه إقطاعا ، فأقام بها فتوفي وهو الذي افتتح بلاد اليمن عن أمر أخيه صلاح الدين ، فمكث فيها حينا واقتنى منها أموالا جزيلة ، ثم استناب فيها ، وأقبل نحو أخيه إلى الشام شوقا إليه ، وقد كتب إليه من أثناء الطريق شعرا عمله له شاعره ابن المنجم ، وكانوا قد وصلوا إلى تيماء


            فهل لأخي بل مالكي علم أنني إليه وإن طال التردد راجع     وإني بيوم واحد من لقائه
            لملكي على عظم المزية بائع     ولم يبق إلا دون عشرين ليلة
            وتجني المنى أبصارنا والمسامع     لدى ملك تعنو الملوك إذا بدا
            وتخشع إعظاما له وهو خاشع     كتبت وأشواقي إليك ببعضها
            تعلمت النوح الحمام السواجع     وما الملك إلا راحة أنت زندها
            تضم على الدنيا ونحن الأصابع

            وكان قدومه إليه في سنة إحدى وسبعين ، فشهد معه مواقف مشهودة وغزوات محمودة ، واستنابه على دمشق مدة ، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية فلم توافقه ، وكان يعتريه القولنج فمات بها ، رحمه الله تعالى ، في هذه السنة ، ودفن بقصر الإمارة فيها ، ثم نقلته أخته ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية ، فقبره القبلي ، والوسطاني قبر زوجها وابن عمها ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه ، صاحب حمص والرحبة ، والمؤخر قبرها ، رحمهما الله وأجزل ثوابها . والتربة الحسامية منسوبة إلى ولدها حسام الدين عمر بن لاجين ، وهي إلى جانب المدرسة من غربها ، وقد كان الملك تورانشاه كريما جوادا شجاعا باسلا عظيم الهيبة كبير النفس ، واسع الصدر ، قال فيه ابن سعدان الحلبي :


            هو الملك إن تسمع بكسرى وقيصر     فإنهما في الجود والبأس عبداه
            وما حاتم ممن يقاس بمثله     فخذ ما رأيناه ودع ما رويناه
            ولذ بذراه مستجيرا فإنه     يجيرك من جور الزمان وعدواه
            ولا تتحمل للسحائب منة     إذا هطلت جودا سحائب جدواه
            ويرسل كفيه بما اشتق منهما     فلليمن يمناه ولليسر يسراه

            ولما بلغ خبر موته إلى أخيه السلطان صلاح الدين وهو مخيم بظاهر حمص حزن عليه حزنا شديدا ، وجعل ينشد باب المراثي من الحماسة ، وكانت محفوظة . واستخلف بالشام عز الدين فرخشاه ابن أخيه شاهنشاه ، وكان عاقلا حازما شجاعا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية