في سنة ست وثمانين وخمسمائة، في ربيع الأول ، ، وكان سير إليها جيشا حصروها سنة خمس وثمانين [ وخمسمائة ] فقاتلوا عليها قتالا شديدا ، ودام الحصار ، وقتل من الفريقين خلق كثير ، فلما ضاقت عليهم الأقوات سلموها على أقطاع عينوها ، ووصل صاحبها وأهلها إلى بغداد وأعطوا أقطاعا ، ثم تفرقوا في البلاد واشتدت الحاجة بهم ، حتى رأيت بعضهم وإنه ليتعرض بالسؤال ، وبعض خدم الناس ، نعوذ بالله من زوال نعمته وتحول عافيته . تسلم الخليفة الناصر لدين الله حديثة عانة التي هي أمر من الأجاج فطمع العدو المخذول - لعنهم الله - في الإسلام فتجرد جماعة منهم للقتال ، وثبت آخرون على الحصار وأقبلوا في عدد كثير وعدد فرتب السلطان الجيوش يمنة ويسرة وقلبا وجناحين فلما رأوا ما عاينوه من الجيش الكثيف فروا من موقف الحرب وعادوا عن حومة الوغى فقتل منهم خلق كثير وجم غفير ولله الحمد . وفي هذه السنة حصل للسلطان سوء مزاج من كثرة ما يكابده من الأمور في الجيشين المسلم والكافر فكان السلطان يقول في ذلك ووقع في هذه السنة وباء عظيم
اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي
واتفق موت ابن ملك الألمان في ثاني ذي الحجة وجماعة من كبراء الكندهرية وسادات الفرنج لعنهم الله فحزن الفرنج على ابن ملك الألمان حزنا عظيما وأوقدوا نارا عظيمة في كل خيمة وصار في كل يوم يهلك من الفرنج المائة والمائتان واستأمن إلى السلطان جماعة منهم من شدة ما هم فيه من الجوع والضيق والحصر وأسلم خلق كثير منهم ولله الحمد والمنة .وفي هذا الشهر قدم القاضي الفاضل من الديار المصرية على السلطان وكان قد طال شوق كل واحد منهما إلى صاحبه فأفضى كل منهما إلى الآخر ما كان يسره ويكتمه من الآراء التي فيها مصالح المسلمين وقدم وزير الصدق على السلطان الموفق والأمير المؤيد رحمهما الله تعالى .