عبور تقي الدين الفرات وملكه حران وغيرها من البلاد الجزرية ، ومسيره إلى خلاط ومؤتة
في سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، في صفر ، سار تقي الدين من الشام إلى البلاد الجزرية : حران والرها ، كان قد أقطعه إياها عمه صلاح الدين ، بعد أخذها من مظفر الدين ، مضافا إلى ما كان له بالشام ، وقرر معه أنه يقطع البلاد للجند ، ويعود وهم معه إليه ليتقوى بهم على الفرنج .
فلما عبر الفرات ، وأصلح حال البلاد ، سار إلى ميافارقين ، وكانت له ، فلما بلغها تجدد له طمع في غيرها من البلاد المجاورة لها ، فقصد مدينة حاني من ديار بكر ، فحصرها وملكها ، وكان في سبعمائة فرس .
فلما سمع سيف الدين بكتمر - صاحب خلاط - بملكه حاني جمع عساكره وسار إليه ، فاجتمعت عساكره أربعة آلاف فارس ، فلما التقوا اقتتلوا فلم يثبت عسكر خلاط لتقي الدين ، بل انهزموا وتبعهم تقي الدين ، ودخل بلادهم .
وكان بكتمر قد قبض على مجد الدين بن رشيق ، وزير صاحبه شاه أرمن ، وسجنه في قلعة هناك ، فلما انهزم كتب إلى مستحفظ القلعة يأمره بقتل ابن رشيق ، فوصل القاصد وتقي الدين قد نازل القلعة ، فأخذ الكتاب ، وملك القلعة ، وأطلق ابن رشيق ، وسار إلى خلاط فحصرها ، ولم يكن في كثرة من العسكر فلم يبلغ منها غرضا ، فعاد عنها ، وقصد ملازكرد ، وحصرها وضيق على من بها ، وطال مقامه عليها ، [ فلما ضاق عليهم الأمر طلبوا منه المهلة أياما ذكروها ، فأجابهم إليها ] .
ومرض تقي الدين ، فمات قبل انقضاء الأجل بيومين ، وتفرقت العساكر عنها ، وحمله ابنه وأصحابه ميتا إلى ميافارقين ، وعاد بكتمر فقوي أمره وثبت ملكه بعد أن أشرف على الزوال ، وهذه الحادثة من الفرج بعد الشدة ، فإن ابن رشيق نجا من القتل ، وبكتمر نجا من أن يؤخذ .