وجبريل وروح القدس فينا وروح القدس ليس له كفاء
والقدس الطهارة والبركة، أو التقديس، ومعناه التطهير، والإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة في الاختصاص، وهي معنوية بمعنى اللام، فإذا أضيف العلم كذلك يكون مؤولا بواحد من المسمين به، وقال مجاهد والربيع : القدس من أسماء الله تعالى كالقدوس، وزعم بعضهم أن إطلاق الروح على جبريل مجاز لأنه الريح المتردد في مخارق الإنسان، ومعلوم أن جبريل ليس كذلك، لكنه أطلق عليه على سبيل التشبيه من حيث إن الروح سبب الحياة الجسمانية، وجبريل سبب الحياة المعنوية بالعلوم، وكأن هذا الزعم نشأ من كثافة روح الزاعم، وعدم تغذيها بشيء من العلوم، وخص عيسى عليه السلام بذكر التأييد بروح القدس، لأنه تعالى خصه به من وقت صباه إلى حال كبره، كما قال تعالى : إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا ولأنه حفظه حتى لم يدن منه الشيطان، ولأنه بالغ اثنا عشر ألف يهودي لقتله، فدخل عيسى بيتا فرفعه عليه السلام مكانا عليا، وقيل : الروح هنا اسم الله تعالى الأعظم الذي كان يحيي به الموتى، وروي ذلك كالأول عن رضي الله تعالى عنهما، وقال ابن عباس : الإنجيل، كما جاء في شأن القرآن قوله تعالى : ابن زيد وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وذلك لأنه سبب للحياة الأبدية، والتحلي بالعلوم والمعارف التي هي حياة القلوب، وانتظام المعاش الذي هو سبب الحياة الدنيوية، وقيل : روح عيسى عليه السلام نفسه، ووصفها به لطهارتها عن مس الشيطان، أو لكرامته عليه تعالى، ولذلك أضافها إلى نفسه، أو لأنه لم يضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث بل حصل من نفخ جبريل عليه السلام في درع أمه، فدخلت النفخة في جوفها، وقرأ (القدس) بسكون الدال، حيث وقع ابن كثير وأبو حيوة (القدوس) بواو.أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم مسبب عن قوله تعالى : ولقد آتينا بحيث لا يتم الكلام السابق بدونه كالشرط بدون الجزاء، وقد أدخلت الهمزة بين السبب والمسبب للتوبيخ على تعقيبهم ذلك بهذا، والتعجيب من شأنهم على معنى: موسى الكتاب ولقد آتينا وأنعمنا عليكم بكذا وكذا، لتشكروا بالتلقي بالقبول، فعكستم بأن كذبتم، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام، والفاء للعطف على مقدر، كأنه قيل : أفعلتم ما فعلتم، فكلما جاءكم، ثم المقدر يجوز أن يكون عبارة عما وقع بعد الفاء، فيكون العطف للتفسير، وأن يكون غيره مثل أكفرتم النعمة واتبعتم الهوى، فيكون لحقيقة التعقيب، وضعف هذا الاحتمال بما ذكره [ ص: 318 ] أنه لو كان كذلك لجاز وقوع الهمزة في الكلام قبل أن يتقدمه ما كان معطوفا عليه، ولم تجئ إلا مبنية على كلام متقدم، وفي كون الهمزة الداخلة على جملة معطوفة بالواو أو الفاء، أو ثم في محلها الأصلي، أو مقدمة من تأخير حيث إن محلها بعد العاطف خلاف مشهور بين أهل العربية، وبعض المحققين يحملها في بعض المواضع على هذا، وفي البعض على ذلك بحسب مقتضى المقام، ومساق الكلام، والقلب يميل إليه، قيل : ولا يلزم بطلان صدارة الهمزة، إذ لم يتقدمها شيء من الكلام الذي دخلت هي عليه، وتعلق معناها بمضمونه، غاية الأمر أنها توسطت بين كلامين لإفادة إنكار جمع الثاني مع الأول، أو لوقوعه بعده متراخيا، أو غير متراخ، وهذا مراد من قال : إنها مقحمة مزيدة لتقرير معنى الإنكار، أو التقرير، أي مقحمة على المعطوف مزيدة بعد اعتبار عطفه، ولم يرد أنها صلة، (وتهوى) من هوي بالكسر، إذا أحب، ومصدره هوى، بالقصر، وأما هوى بالفتح فبمعنى سقط، ومصدره هوي بالضم، وأصله فعول فأعل، وقال الرضي : هوى انقض انقضاض النجم والطائر، والأصمعي يقول : هوت العقاب إذا انقضت لغير الصيد، وأهوت إذا انقضت للصيد، وحكى بعضهم أنه يقال : هوى يهوي هويا بفتح الهاء، إذا كان القصد من أعلى إلى أسفل، وهوى يهوي هويا بالضم إذا كان من أسفل إلى أعلى، وما ذكرناه أولا هو المشهور، والهوى يكون في الحق وغيره، وإذا أضيف إلى النفس، فالمراد به الثاني في الأكثر، ومنه هذه الآية، وعبر عن المحبة بأن مدار الرد والقبول عندهم هو المخالفة لأهواء أنفسهم، والموافقة لها، لا شيء آخر، ومتعلق (استكبرتم) محذوف، أي عن الإيمان بما جاء به مثلا، واستفعل هنا بمعنى تفعل. المرزوقي
ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون الظاهر أنه عطف على استكبرتم والفاء للسببية إن كان التكذيب والقتل مرتبين على الاستكبار، وللتفصيل إن كانا نوعين منه، وجوز أن يكون عطفا على الراغب وأيدناه ويكون أفكلما مع ما بعده فصلا بينهما على سبيل الإنكار، وقدم فريقا في الموضعين للاهتمام، وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم، لا للقصر، وثم محذوف: أي فريقا منهم، وبدأ بالتكذيب لأنه أول ما يفعلونه من الشر، ولأنه المشترك بين المكذب والمقتول، ونسب القتل إليهم مع أن القاتل آباؤهم لرضاهم به، ولحوق مذمته بهم، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية، واستحضارا لصورتها لفظاعتها، واستعظامها، أو مشاكلة للأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل، فيما قبل، أو للدلالة على أنكم الآن فيه، فإنكم حول قتل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ولولا أني أعصمه لقتلتموه، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة، فالمضارع للحال، ولا ينافيه قتل البعض، والمراد من القتل مباشرة الأسباب الموجبة لزوال الحياة سواء ترتب عليه، أو لا، وقيل : لا حاجة إلى التعميم، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قتل حقيقة بالسم الذي ناولوه على ما وقع في الصحيح بلفظ: وفيه أنه لم يتحقق منهم القتل زمان نزول الآية، بل مباشرة الأسباب فلا بد من التعميم. (وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)،