وقول الحطيئة:
بمستأسد القريان عاف نباته تساقطني والرحل من صوت هدهد
وقوله:
ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم
وتفسير له بالإعراض عن الشكر ليس بيانا للمعنى اللغوي كما لا يخفى، (وحتى) هذه الداخلة على الماضي ابتدائية لا غائية عند الجمهور، ولا محل للجملة بعدها كما نقل ذلك أبي مسلم الجلال السيوطي في شرح جمع الجوامع، له عن بعض مشايخه، وأما زعم ابن مالك أنها جارة غائية وأن مضمرة بعدها على تأويل المصدر فغلطه فيه وتبعه أبو حيان ابن هشام فقال: لا أعرف له في ذلك سلفا، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة، ولا يشكل عليه ولا على من يقول: إن معنى الغاية لازم لحتى ولو كانت ابتدائية أن الماضي لمضيه لا يصلح أن يكون غاية لما قبل لتأخر الغاية عن ذي الغاية؛ لأن الفعل وإن كان ماضيا لكنه بالنسبة إلى ما صار غاية له مستقبل فافهم.
[ ص: 10 ] وقالوا غير واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء منه سبحانه قد مس آباءنا كما مسنا.
الضراء والسراء وما ذلك إلا من عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ويداولهما بينهم من غير أن يكون هناك داعية إليهما أو تبعة تترتب عليهما وليس هذا كقول القائل:
ثمانية عمت بأسبابها الورى ... فكل امرئ لا بد يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة ... وعسر ويسر ثم سقم وعافية
وهم لا يشعرون بشيء من ذلك ولا يخطرون ببالهم شيئا من المكاره، والجملة حال مؤكدة لمعنى البغتة، وهذا أشد أنواع الأخذ كما قيل: وأنكأ شيء يفجؤك البغت، وقيل: المراد بعدم الشعور عدم تصديقهم بأخبار الرسل عليهم السلام بذلك لا خلو أذهانهم عنه ولا عن وقته لقوله تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ولا يخفى ما فيه من الغفلة عن معنى الغفلة وعن محل الجملة.