دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول
قالوا سمعنا وعصينا أي سمعنا قولك: خذوا، واسمعوا، وعصينا أمرك، فلا نأخذ، ولا نسمع سماع الطاعة، وليس هذا جوابا لاسمعوا، باعتبار تضمنه أمرين، لأنه يبقى خذوا بلا جواب، وذهب الجم إلى ذلك، وأوردوا هنا سؤالا وجوابا، حاصل الأول أن السماع في الأمر إن كان على ظاهره، فقولهم: سمعنا طاعة، وعصينا مناقض [ ص: 326 ] وإن كان القبول، فإن كان في الجواب كذلك كذب وتناقض، وإلا لم يكن له تعلق بالسؤال، وزبدة الجواب أن السماع هناك مقيد، والأمر مشتمل على أمرين سماع قوله، وقبوله بالعمل، فقالوا: نمتثل أحدهما دون الآخر، ومرجعه إلى القول بالموجب، ونظيره ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم وقيل : المعنى قالوا بلسان القال سمعنا، وبلسان الحال عصينا، أو سمعنا أحكاما قبل وعصينا، فنخاف أن نعصي بعد سماع قولك هذا، وقيل : " سمعنا " جواب " اسمعوا " و " عصينا " جواب " خذوا " وقال أبو منصور : إن قولهم " عصينا " ليس على إثر قولهم " سمعنا " بل بعد زمان كما في قوله تعالى : ثم توليتم فلا حاجة إلى الدفع بما ذكر، وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى جميع ذلك بعد ما سمعت كما لا يخفى.وأشربوا في قلوبهم العجل عطف على قالوا، أو مستأنف، أو حال بتقدير: قد، أو بدونه، والعامل قالوا، والإشراب مخالطة المائع الجامد، وتوسع فيه حتى صار في اللونين، ومنه بياض مشرب بحمرة، والكلام على حذف مضاف، أي حب العجل، وجوز أن يكون العجل مجازا عن صورته، فلا يحتاج إلى الحذف، وذكر القلوب لبيان مكان الإشراب، وذكر المحل المتعين يفيد مبالغة في الإثبات، والمعنى: داخلهم حب العجل ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به، كما داخل الصبغ الثوب، وأنشدوا:
إذا ما القلب أشرب حب شيء فلا تأمل له عنه انصرافا
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور
قل بئسما يأمركم به إيمانكم أي بما أنزل عليكم من التوراة حسبما تدعون، وإسناد الأمر إلى الإيمان، وإضافته إلى ضميرهم للتهكم كما في قوله تعالى : أصلاتك تأمرك والمخصوص بالذم محذوف، أي قتل الأنبياء، وكذا وكذا، وجوز أن يكون المخصوص مخصوصا بقولهم : عصينا أمرك، وأراه على القرب بعيدا.
إن كنتم مؤمنين قدح في دعواهم الإيمان بالتوراة، وإبطال لها، وجواب الشرط ما فهم من قوله تعالى : [ ص: 327 ] فلم تقتلون إلى آخر الآيات المذكورة في رد دعواهم الإيمان، أو الجملة الإنشائية السابقة، إما بتأويل، أو بلا تأويل، وتقرير ذلك: إن كنتم مؤمنين ما رخص لكم إيمانكم بالقبائح التي فعلكم، بل منع عنها، فتناقضتم في دعواكم له، فتكون باطلا، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئسما أمركم به إيمانكم بها، أو فقد أمركم إيمانكم بالباطل، لكن الإيمان بها لا يأمر به، فإذن لستم بمؤمنين، والملازمة بين الشرط والجزاء على الأول، بالنظر إلى نفس الأمر، وإبطال الدعوى بلزوم التناقض، وعلى الثاني تكون الملازمة بالنظر إلى حالهم من تعاطي القبائح مع ادعائهم الإيمان، والمؤمن من شأنه أن لا يتعاطى إلا ما يرخصه إيمانه، وإبطال التالي بالنظر إلى نفس الأمر، واستظهر بعضهم في هذا، ونظائره كون الجزاء معرفة السابق، أي إن كنتم مؤمنين تعرفون أنه بئس المأمور به، وقيل : (إن) نافية، وقيل : للتشكيك، وإليه يشير كلام الكشاف، وفيه أن المقصد إبطال دعوتهم بإبراز إيمانهم القطعي العدم منزلة ما لا قطع بعدمه للتبكيت والإلزام، لا للتشكيك على أنه لم يعهد استعمال (إن) لتشكيك السامع كما نص عليه بعض المحققين، وقرأ ، الحسن ومسلم بن جندب (بهو إيمانكم) بضم الهاء، ووصلها بواو،