أم حسبتم خطاب لمن شق عليه القتال من المؤمنين أو المنافقين و ( أم ) منقطعة جيء بها للانتقال عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم أو من التوبيخ السابق إلى توبيخ آخر ، والهمزة المقدرة مع بل للتوبيخ على الحسبان المذكور أي بل أحسبتم وظننتم أن تتركوا على ما أنتم عليه ولا تؤمروا بالجهاد ولا تبتلوا بما يمحصكم ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الواو حالية و ( لما ) للنفي مع التوقع ونفي العلم ، والمراد نفي المعلوم وهو الجهاد على أبلغ وجه إذ هو بطريق البرهان إذ لو وقع جهادهم علمه الله تعالى لا محالة فإن وقوع ما لا يعلمه عز وجل محال كما أن عدم وقوع ما يعلمه كذلك وإلا لم يطابق علمه سبحانه الواقع فيكون جهلا وهو من أعظم المحالات ، فالكلام من باب الكناية ، وقيل : إن العلم مجاز عن التبيين مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه ، وفي الكشاف ما يشعر أولا بأن العلم مجاز عما ذكر، وثانيا ما يشعر بأنه من باب الكناية ، وأجيب عنه بأنه أشار بذلك إلى أنه استعمل لنفي الوجود مبالغة في نفي التبيين ، وما ذكره أولا من قوله : إنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى لوجهه جل شأنه حاصل المعنى ، وذلك لأنه خطاب للمؤمنين إلهابا لهم وحثا على ما حضهم عليه بقوله سبحانه : قاتلوهم يعذبهم الله فإذا [ ص: 64 ] وبخوا على حسبان أن يتركوا ولم يوجد فيما بينهم مجاهد مخلص دل على أنهم إن لم يقاتلوا لم يكونوا مخلصين وأن الإخلاص إذا لم يظهر أثره بالجهاد في سبيل الله تعالى ومضادة الكفار كلا إخلاص ، ولو فسر العلم بالتبين لم يفد هذه المبالغة فتدبر ، وقوله تعالى : ولم يتخذوا عطف على جاهدوا وداخل في حيز الصلة، أو حال من فاعله ، أي جاهدوا حال كونهم غير متخذين من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أي : بطانة وصاحب سر كما قال ، وهي من الولوج وهو الدخول وكل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة ، ويكون للمفرد وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على ولائج ، و ابن عباس من دون متعلق بالاتخاذ إن أبقي على حاله أو مفعول ثان له إن جعل بمعنى التصيير والله خبير بما تعملون أي بجميع أعمالكم فيجازيكم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وقرئ على الغيبة وفي هذا إزاحة لما يتوهم من ظاهر قوله سبحانه : ولما يعلم إلخ من أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها كما ذهب إليه هشام مستدلا بذلك .
ووجه الإزاحة أن ( تعملون ) مستقبل فيدل على خلاف ما ذكره .