قل أي لأولئك المشركين الذين حكيت أحوالهم وبين ما يؤدي إليه أفعالهم التي هي أفعى لهم احتجاجا على حقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الإشراك
من يرزقكم من السماء والأرض أي منهما جميعا فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية كالمطر وحرارة الشمس المنضجة وغير ذلك ومواد أرضية والأولى بمنزلة الفاعل والثانية بمنزلة القابل أو من كل واحد منهما بالاستقلال كالإمطار والمن والأغذية الأرضية توسعة عليكم – فمن - على هذا لابتداء الغاية وقيل: هي لبيان (من) على تقدير المضاف وقيل: تبعيضية على ذلك التقدير أي من أهل السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار (أم) منقطعة بمعنى بل والاضطراب انتقالي لا إبطالي وفيه تنبيه على كفاية هذا الاستفهام فيما هو المقصود أي من يستطيع خلقهما وتسويتهما على هذه الفطرة العجيبة ومن وقف على تشريحهما وقف على ما يبهر العقول أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالهما عن أدنى شيء يصيبهما أو من يتصرف بهما إذهابا وإبقاء والملك على كل مجاز وقيل: والمعنى الأول أوفق لنظم الخالقية مع الرازقية كقوله تعالى: هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي أي ومن ينشئ الحيوان من النطفة مثلا والنطفة من الحيوان أو من يحيي أو يميت بأن يكون المراد بالإخراج التحصيل من قولهم: الخارج كذا أي الحاصل أي من يحصل الحي من الميت بأن يفيض عليه الحياة ويحصل الميت من الحي بأن يفيض عليه الموت ويسلب عنه الحياة والمآل ما علمت ومن الناس من فسر الحي والميت هنا بالمؤمن والكافر والأول أولى ومن يدبر الأمر أي ومن يلي تدبير أمر العالم جميعا وهو تعميم بعد تخصيص ما اندرج تحته من الأمور الظاهرة بالذكر وفيه إشارة إلى أن الكل منه سبحانه وإليه وأنه لا يمكنكم علم تفاصيله فسيقولون [ ص: 111 ] بلا تلعثم ولا تأخير الله إذ لا مجال للمكابرة والعناد في شيء من ذلك لغاية وضوحه، والاسم الجليل مبتدأ والخبر محذوف أي الله يفعل ما ذكر من الأفاعيل لا غيره هذا وربما يستدل بالآية على تقدير أن لا تكون (من) لابتداء الغاية على جواز أن يقال الله سبحانه أنه من أهل السماء والأرض، وكون المراد هناك غير الله تعالى لا يناسب الجواب ومن لم ير الجواز تعني ومن رآه بناء على ظواهر الآيات المفيدة لكونه تعالى في السماء . وإقراره وقوله عليه الصلاة والسلام في الجارية التي أشارت إلى السماء حين قيل لها: أين الله؟ أعتقها فإنها مؤمنة حصينا حين قال له عليه الصلاة والسلام: حصين؟ فقال: سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: فمن الذي أعددته لرغبتك ورهبتك؟ فقال حصين: الإله الذي في السماء . أبقى الآية على ما يقتضيه ظاهرها وأنت تعلم أنه لم يرد صريحا كونه تعالى من أهل السماء والأرض وإن ورد كونه جل وعلا في السماء على المعنى اللائق بجلاله جل جلاله فلا أرى جواز ذلك ولا داعي لإخراج (من) عن ابتداء الغاية ليحتاج إلى العناية في رد الاستدلال كما لا يخفى وفي الانتصاف أن هذه الآية كافحة لوجوه كم تعبد يا القدرية الزاعمين أن الأرزاق منقسمة فمنها ما رزقه الله تعالى للعبد وهو الحلال ومنها ما رزقه العبد لنفسه وهو الحرام فهي ناعية عليهم هذا الشرك الخفي لو سمعوا أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون وكذا فيما قيل تكفح في وجوه أناس يزعمون أن الذي يدبر الأمر في كل عصر قطبه وهو عماد السماء عندهم ولولاه لوقعت على الأرض فكأني بك إذا سألتهم من يدبر الأمر يقولون القطب، وقد يعتذر عنهم بأن مرادهم أنه المدبر بإذن الله تعالى وجاء إطلاق المدبر بهذا المعنى على غيره تعالى في قوله سبحانه: فالمدبرات أمرا
وربما يقال: إنه لا فرق عندهم بين الله تعالى وبين القطب إلا بالاعتبار لأنه الذي فاز بقربى النوافل والفرائض على أتم وجه فارتفعت الغيرية فالقول بأن القطب هو المدبر كالقول بأن الله سبحانه هو المدبر بلا فرق
واعترض هذا بأنه ذهاب إلى القول بوحدة الوجود وأكثر المتكلمين وبعض الصوفية كالإمام الرباني قدس سره ينكرون ذلك والأول بأنه هلا قال المشركون في جواب ذلك: الملائكة أو عيسى عليهم السلام مثلا على معنى أنهم المدبرون للأمر بإذن الله تعالى فيكون المذكورون عندهم بمنزلة الأقطاب عند أولئك، وأجيب بأن السؤال إنما هو عمن ينتهي إليه الأمر فلا يتسنى لهم إلا الجواب المذكور ولعل غير أهل الوحدة لو سئلوا كذلك ما عدلوا في الجواب عنه سبحانه وأما أهل الوحدة قدس الله تعالى أسرارهم فلهم كلمات لا يقولها المشركون وهي لعمري فوق طور العقل ولذا أنكرها أهل الظاهر عليهم فقل لهم أفلا تتقون 31 الهمزة لإنكار عدم الاتقاء بمعنى إنكار الواقع كما في قولك: أتضرب أباك لا بمعنى إنكار الوقوع كما في قولك: أأضرب أبي والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم أي أتعلمون ذلك فلا تتقون والخلاف في مثل هذا التركيب شهير وما ذكرناه هو ما عليه البعض ومفعول تتقون محذوف وهو متعد لواحد أي أفلا تتقون عذابه الذي لكم بما تتعاطونه من إشراككم به سبحانه ما لا يشاركه في شيء مما ذكر من خواص الألوهية، وكلام القاضي يوهم أنه متعد إلى مفعولين وليس بذاك