هنالك أي في ذلك المقام الدحض والمكان الدهش وهو مقام الحشر فهنالك باق على أصله وهو الظرفية المكانية وقيل: إنه استعمل ظرف زمان مجازا أي في ذلك الوقت تبلو أي تختبر كل نفس مؤمنة كانت أو كافرة ما أسلفت من العمل فتعاين نفعه وضره أتم معاينة
وقرأ حمزة (تتلو) من التلاوة بمعنى القراءة والمراد قراءة صحف ما أسلفت وقيل: إن ذلك كناية عن ظهور الأعمال وجوز أن يكون من التلو على معنى أن العمل يتجسم ويظهر فيتبعه صاحبه حتى يرد به الجنة أو النار أو هو تمثيل وقرأ والكسائي في رواية عنه (نبلو) بالباء الموحدة والنون ونصب (كل) على أن فاعل نبلو ضميره تعالى و (كل) مفعوله و (ما) بدل منه بدل اشتمال والكلام استعارة تمثيلية أي هنالك نعامل كل نفس معاملة من يبلوها ويتعرف أحوالها من السعادة والشقاوة باختبار ما أسلفت من العمل ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء أي العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ما منصوبة بنزع الخافض وهو الباء السببية عاصم
وردوا إلى الله عطف على زيلنا والضمير للذين أشركوا وما في البين اعتراض في أثناء الحكاية مقرر لمضمونها والمعنى ردوا إلى جزائه وعقابه أو إلى موضع ذلك فالرد إما معنوي أو حسي وقال الإمام: المعنى جعلوا ملجئين إلى الإقرار بألوهيته سبحانه وتعالى مولاهم أي ربهم الحق أي المتحقق الصادق في ربوبيته لا ما اتخذوه [ ص: 110 ] ربا باطلا وقرئ (الحق) بالنصب على المدح والمراد به الله تعالى وهو من أسمائه سبحانه أو على المصدر المؤكد والمراد به ما يقابل الباطل، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله سبحانه: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم لاختلاف معنى المولى فيهما . وأخرج عن أبو الشيخ أن الأولى منسوخة بالثانية ولا يخفى ما فيه السدي وضل أي ضاع وذهب عنهم ما كانوا يفترون 30 من أن آلهتهم تشفع لهم أو ما كانوا يدعون أنها شركاء لله عز وجل و (ما) يحتمل أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية والجملة معطوفة على قوله سبحانه: (ردوا) ومن الناس من جعلها عطفا على - زيلنا - وجملة – ردوا- معطوفة على جملة - تبلو - إلخ داخلة في الاعتراض وضمير الجمع للنفوس المدلول عليها بكل نفس، والعدول إلى الماضي للدلالة على التحقق والتقرر، وإيثار صيغة الجمع للإيذان بأن ردهم إليه سبحانه يكون على طريق الاجتماع وما ذكرناه أولى لفظا ومعنى، وتعقب شيخ الإسلام جعل الضمير للنفوس وعطف (ردوا) على تبلو إلخ بأنه لا يلائمه التعرض لوصف الحقية في قوله سبحانه: مولاهم الحق فإنه للتعريض بالمردودين ثم قال: ولئن اكتفي فيه بالتعريض ببعضهم أو حمل الحق على معنى العدل في الثواب والعقاب أي مع تفسير المولى بمتولي الأمور فقوله سبحانه: وضل إلخ مما لا مجال فيه للتدارك قطعا فإن ما فيه من الضمائر الثلاثة للمشركين فيلزم التفكيك حتما وتخصيص كل نفس بالنفوس المشركة مع عموم البلوى للكل يأباه مقام تهويل المقام انتهى، والظاهر أنه اعتبر عطف وضل عنهم إلخ على (ردوا) مع رجوع ضميره للنفوس وهو غير ما ذكرناه فلا تغفل