ألا إن لله ما في السماوات والأرض أي إن له سبحانه لا لغيره تعالى ما وجد في هذه الأجرام العظيمة داخلا في حقيقتها أو خارجا عنها متمكنا فيها وكلمة (ما) لتغليب غير العقلاء على العقلاء وهو تذييل لما سبق وتأكيد واستدلال عليه بأن من يملك جميع الكائنات وله التصرف فيها قادر على ما ذكر وقيل: إنه متصل بقوله سبحانه: ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به كأنه بيان لعقدهم ما يفتدون به وعدم ملكهم شيئا حيث أفاد أن جميع ما في السماوات والأرض ملكه لا ملك لأحد فيه سواه جل وعلا وليس بشيء وإن ذكره بعض الأجلة واقتصر عليه ألا إن وعد الله أي جميع ما وعد به كائنا ما كان فيندرج فيه العذاب الذي استعجلوه وما ذكر في أثناء بيان حاله اندراجا أوليا فالمصدر بمعنى اسم المفعول ويجوز أن يكون باقيا على معناه المصدري أي وعده سبحانه بجميع ما ذكر حق أي ثابت واقع لا محالة أو مطابق للواقع والظاهر أن حمل الوعد على العموم بحيث يندرج فيه العذاب المذكور والعقاب للعصاة أو الوعد بهما يستدعي اعتبار التغليب في الكلام وبعضهم حمل الوعد على ما وعد به صلى الله تعالى عليه وسلم من نصره وعقاب من لم يتبعه وقال: إن اعتبار التغليب توهم وليس بالمتعين وإظهار الاسم الجليل لتفخيم شأن الوعد والإشعار بعلة الحكم وتصدير الجملتين بحرفي التنبيه والتحقيق للتسجيل على تحقق مضمونها المقرر لمضمون ما سلف من الآيات الكريمة والتنبيه على وجوب استحضاره والمحافظة عليه
وذكر الإمام في توجيه ذكر أداة التنبيه في الجملة الأولى أن أهل هذا العالم مشغولون بالنظر إلى الأسباب الظاهرة فيضيفون الأشياء إلى ملاكها الظاهرة المجازية ويقولون مثلا الدار لزيد والغلام لعمرو والسلطنة للخليفة والتصرف للوزير فكانوا مستغرقين في نوم الجهل والغفلة حيث يظنون صحة تلك الإضافات فلذلك زادهم سبحانه بقوله عز اسمه: ألا إن لله إلخ واستناد جميع ذلك إليه جل شأنه بالمملوكية لما ثبت من وجوب وجوده لذاته سبحانه وأن جميع ما سواه ممكن لذاته وأن الممكن لذاته مستند إلى الواجب لذاته إما ابتداء أو بواسطة وذلك يقتضي أن الكل مملوك له تعالى والكلام في ذكر الأداة في الجملة الثانية على هذا النمط لا يخلو عن تكلف والحق ما أشرنا إليه في وجه التصدير ووجه اتصال هذه الجملة بما تقدم ظاهر مما قررنا وللطبرسي في توجيه ذلك كلام ليس بشيء ولكن أكثرهم لسوء استعداداتهم وقصور عقولهم واستيلاء الغفلة عليهم لا يعلمون 55 فيقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون