وقال بعض المحققين: إن هذا النداء إنما كان قبل الركوب في السفينة والواو لا تدل على الترتيب، وعن كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ ابنها على أن ضمير التأنيث لامرأته، وفي إضافته إليها إشعار بأنه ربيبه لأن الإضافة إلى الأم مع ذكر الأب خلاف الظاهر، وإن جوزوه، ووجه بأنه نسب إليها لكونه كافرا مثلها، وما يقال من أنه كان لغير رشدة لقوله سبحانه: علي فخانتاهما فارتكاب عظيمة لا يقادر قدرها فإن الله تعالى قد طهر الأنبياء عليهم السلام عما هو دون ذلك من النقص بمراحل فحاشاهم ثم حاشاهم أن يشار إليهم بأصبع الطعن، وإنما المراد بالخيانة الخيانة في الدين، ونسبة هذا القول إلى الحسن كما زعم ومجاهد الطبرسي كذب صريح، وقرأ محمد بن علي، وعروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم (ابنه) بهاء مفتوحة دون ألف اكتفاء بالألف عنها وهو لغة -كما قال ومن ذلك قوله: ابن عطية-
أما تقود بها شاة فتأكلها أو أن تبيعه في بعض الأراكيب
قيل: وهو ضعيف في العربية حتى خصه بعضهم بالضرورة والضمير للأم أيضا، وقرأ ابنه بسكون الهاء، وهي على ما قال ابن عباس ابن عطية، وأبو الفضل الرازي لغة أزد فإنهم يسكنون هاء الكناية من المذكر، ومنه قوله: ونضواي مشتاقان له أرقان. وقيل: إنها لغة لبني كلاب وعقيل، ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشد: [ ص: 59 ] وأشرب الماء ما بي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديهاوقرأ –ابناه- بألف وهاء سكت، وخرج ذلك على الندبة، واستشكل بأن النحاة صرحوا بأن حرف النداء لا يحذف في الندبة، وأجيب بأن هذا حكاية والذي منعوه في الندبة نفسها لا في حكايتها، وعن السدي -أبناه- بفتح همزة القطع التي للنداء، وفيه أنه لا ينادي المندوب بالهمزة، وأن الرواية بالوصل فيها، والنداء بالهمزة لم يقع في القرآن، ويبعد القول بالندبة أنها لا تلائم الاستدعاء إلى السفينة بعد كما لا يخفى ولو قيل: إن ابناه على هذه القراءة مفعول –نادى- أيضا كما في غيرها من القراآت، والألف للإشباع والهاء الساكنة هاء الضمير في بعض اللغات لم يكن هناك محذور من جهة المعنى وهو ظاهر، نعم يتوقف القول بذلك على السماع في مثله؛ ومتى ثبت تعين عندي تخريج القراءة إن صحت عليه، وقرأ الجمهور (ابنه) بالإضافة إلى ضمير ابن عطية نوح ووصلوا بالهاء واوا وتوصل في الفصيح، وتنوين (نوح) مكسور عند الجمهور دفعا لالتقاء الساكنين وقرأ وكيع بضمه إتباعا لحركة الإعراب.
وقال هي لغة سوء لا تعرف أبو حاتم: وكان في معزل أي مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته ومن آمن من قومه، والمراد بعده عنهم إما حسا أو معنى، وحاصله المخالفة لهم في الدين فمعزل بالكسر اسم مكان العزلة، وهي إما حقيقية أو مجازية، وقد يكون اسم زمان، وإذا فتح كان مصدرا، وقيل: المراد -كان في معزل- عن الكفار قد انفرد عنهم وظن نوح عليه السلام أنه يريد مفارقتهم ولذلك دعاه إلى السفينة، وقيل: إنما ناداه لأنه كان ينافقه فظن أنه مؤمن، واختاره كثير من المحققين كالماتريدي وغيره، وقيل: كان يعلم أنه كافر إلى ذلك الوقت لكنه عليه السلام ظن أنه عند مشاهدة تلك الأهوال وبلوغ السيل الزبى ينزجز عما كان عليه ويقبل الإيمان، وقيل: لم يجزم بدخوله في الاستثناء لما أنه كان كالمجمل فحملته شفقة الأبوة على أن ناداه ( يا بني ) بفتح الياء التي هي لام الكلمة اجتزاء بالفتحة على الألف المبدلة من ياء الإضافة في قوله يا بنيا، وقيل: إنها سقطت لالتقائها ساكنة مع الراء الساكنة بعدها، ويؤيد الأول أنه قرئ كذلك حيث لا ساكن بعد.
ومن الناس من قال: فيه ضعف على ما حكاه يونس من ضعف يا أب ويا أم بحذف الألف والاجتزاء عنها بالفتحة.
وقرأ الجمهور بالكسر اقتصارا عليه من ياء الإضافة وقيل: إنها حذفت لالتقاء الساكنين كما قيل ذلك في الألف ونداؤه بالتصغير من باب التحنن والرأفة وكثيرا ما ينادي الوالد ولده كذلك اركب معنا أي في السفينة ولتعينها وللإيذان بضيق المقام حيث حال الجريض دون القريض مع إغناء المعية عن ذكرها لم تذكر وأطلق الركوب، وتخفيف الباء وإدغامها في الميم قراءتان سبعيتان ووجه الإدغام التقارب في المخرج ولا تكن مع الكافرين تأكيد للأمر وهو نهي عن معايشة الكفرة والدخول في غمارهم وقطع بأن الدخول فيه يوجب الغرق على الطريق البرهاني