فهو الكشوث فلا أصل ولا ورق ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر
وقال وفرقة شجرة الثوم وقيل : شجرة الشوك وقيل : الطحلب وقيل : الكمأة وقيل : كل شجر لا يطيب له ثمر وفي رواية عن الزجاج رضي الله تعالى عنهما أنها شجرة لم تخلق على الأرض والمقصود التشبيه بما اعتبر فيه تلك النعوت وقال ابن عباس : الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف وفي رواية عن ابن عطية أيضا تفسير هذه الشجرة بالكافر وروى الحبر الإمامية وأنت تعرف حالهم عن رضي الله تعالى عنه تفسيرها أبي جعفر ببني أمية وتفسير الشجرة الطيبة برسول الله صلى الله عليه وسلم كرم الله تعالى وجهه وعلي رضي الله تعالى عنها وما تولد منهما وفي بعض روايات أهل السنة ما يعكر على تفسير الشجرة الخبيثة وفاطمة ببني أمية .
فقد أخرج عن ابن مردويه عدي بن أبي حاتم قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الله تعالى قلب العباد ظهرا وبطنا فكان خير عباده العرب وقلب العرب ظهرا وبطنا فكان خير العرب قريشا وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى في كتابه : ( مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ) لأن بني أمية من قريش وأخبار الطائفتين في هذا الباب ركيكة وأحوال بني أمية التي يستحقون بها ما يستحقون غير خفية عند الموافق والمخالف والذي عليه الأكثرون في هذه الشجرة الخبيثة أنها الحنظل وإطلاق الشجرة عليه للمشاكلة وإلا فهو نجم لا شجر وكذا يقال في إطلاقه على الكشوث ونحوه .
وللإمام قدس سره كلام في هذين المثلين لا بأس بذكره ملخصا وهو أنه تعالى ذكر في المثل الأول شجرة موصوفة بأربع صفات ثم شبه الكلمة الطيبة بها . الرازي
الصفة الأولى كونها طيبة وذلك يحتمل كونها طيبة المنظر وكونها طيبة الرائحة وكونها طيبة الثمرة بمعنى كونها لذيذة مستطابة وكونها طيبة الثمرة بمعنى كثرة الانتفاع بها ويحب إرادة الجميع إذ به يحصل كمال الطيب .
والثانية كون أصلها ثابت وهو صفة كمال لها لأن الشيء الطيب إذا كان في معرض الزوال فهو وإن كان يحصل الفرح بوجدانه إلا أنه يعظم الحزن بالخوف من زواله وأما إذا لم يكن كذلك فإنه يعظم السرور به من غير ما ينغص ذلك .
والثالثة كون ( فرعها في السماء ) وهو أيضا صفة كمال لها لأنها متى كانت مرتفعة كانت بعيدة عن عفونة الأرض وقاذورات الأبنية فكانت ثمرتها نقية خالصة عن جميع الشوائب .
والرابعة كونها دائمة الثمر لا أن ثمرها حاضر في بعض الأوقات دون بعض وهو صفة كمال أيضا إذ الانتفاع بها غير منقطع حينئذ .
ثم إن من المعلوم بالضرورة أن الرغبة في تحصيل مثل هذه الشجرة يجب أن تكون عظيمة وأن العاقل متى أمكنه تحصيلها ينبغي أن يقوم له على ساق ولا يتساهل عنه والمراد من الكلمة المشبهة بذلك معرفة الله تعالى والاستغراق في محبته سبحانه وطاعته وشبه ذلك للشجرة في صفاتها الأربعة أما في الأولى فظاهر بل لا لذة ولا طيب في الحقيقة إلا لهذه المعرفة لأنها ملائمة لجوهر النفس النطقية والروح القدسية ولا كذلك لذة [ ص: 216 ] الفواكه إذ هي أمر ملائم لمزاج البدن ومن تأمل أدنى تأمل ظهر له فروق لا تحصى بين اللذتين وأما في الصفة الثانية فثبوت الأصل في شجرة معرفة الله تعالى أقوى وأكمل لأن عروقها راسخة في جوهر النفس القدسية وهو جوهر مجرد آمن عن الكون والفساد بعيد عن التغير والفناء وأيضا مدد هذا الرسوخ إنما هو من تجلي جلال الله وهو من لوازم كونه سبحانه في ذاته نور النور ومبدأ الظهور وذلك مما يمتنع عقلا زواله وأما في الصفة الثالثة فلأن شجرة المعرفة لها أغصان صاعدة في هواء العالم الإلهي وأغصان صاعدة في هواء العالم الجسماني والنوع الأول أقسامه كثيرة يجمعها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : التعظيم لأمر الله تعالى ويدخل فيه التأمل في دلائل معرفته سبحانه كأحوال العوالم العلوية والسفلية وكذا محبة الله تعالى والتشوق إليه سبحانه والمواظبة على ذكره جل شأنه والاعتماد عليه وقطع النظر عما سواه جل وعلا إلى غير ذلك والنوع الثاني أقسامه كذلك ويجمعها قوله عليه الصلاة والسلام والشفقة على خلق الله تعالى ويدخل فيه الرأفة والرحمة والصفح والتجاوز عن الإساءة والسعي في إيصال الخير إلى عباد الله تعالى ودفع الشرور عنهم ومقابلة الإساءة بالإحسان إلى ما لا يحصى وهي فروع من شجرة المعرفة فإن الإنسان كلما كان متوغلا فيها كانت هذه الأحوال عنده أكمل وأقوى وأما في الصفة الرابعة فلأن شجرة المعرفة موجبة لما علمت من الأحوال ومؤثرة في حصولها والمسبب لا ينفك عن السبب فدوام أكل هذه الشجرة أتم من دوام أكل الشجرة المنعوتة فهي أولى بهذه الصفة بل ربما توغل العبد في المعرفة فيصير بحيث كلما لاحظ شيئا لاحظ الحق فيه وربما عظم ترقيه فيصير لا يرى شيئا إلا يرى الله تعالى قبله وأيضا قد يحصل للنفس من هذه المعرفة إلهامات نفسانية وملكات روحانية ثم لا يزال يصعد منها في كل حين ولحظة كلام طيب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل كثمرة هذه الشجرة وفي قوله سبحانه : بإذن ربها دقيقة عجيبة وذلك لأن الإنسان عند حصول هذه الأحوال السنية والدرجات العلية قد يفرح بها من حيث هي هي وقد يترقى فلا يفرح بها كذلك وإنما يفرح بها من حيث أنها من المولى جل جلاله وعند ذلك يكون فرحه في الحقيقة بالمولى تبارك وتعالى ولذلك قال بعض المحققين : من آثر العرفان للعرفان فقد وقف بالساحل ومن آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف فقد خاض لجة الوصول .
وذكر بعضهم في هذا المثال كلاما لا يخلو عن حسن وهو أنه إنما مثل سبحانه الإيمان بالشجرة لأن الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء : عرق راسخ وأصل قائم وأغصان عالية فكذلك ولم يرتض قدس سره تفسير الشجرة بالنخلة ولا الحين بما شاع فقال : بعد نقل كلام جماعة إن هؤلاء وإن أصابوا في البحث عن مفردات ألفاظ الآية إلا أنهم بعدوا عن إدراك المقصود لأنه تعالى وصف شجرة بالصفات المذكورة ولا حاجة بنا إلى أن تلك الشجرة هي النخلة أم غيرها فإنا نعلم بالضرورة أن الشجرة الكذائية يسعى في تحصيلها وادخارها لنفسه كل عاقل سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن لأن هذه الصفة أمر مطلوب التحصيل واختلافهم في تفسير الحين أيضا من هذا الباب والله تعالى أعلم وذكر تبارك وتعالى في المثل الثاني شجرة أيضا إلا أنه تعالى وصفها بثلاث صفات . الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء : معرفة في القلب وقول باللسان وعمل بالأركان
الصفة الأولى كونها خبيثة وذلك يحتمل أن يكون بحسب الرائحة وأن يكون بحسب الطعم وأن يكون بحسب الصورة وأن يكون بحسب اشتمالها على المضار الكثيرة [ ص: 217 ] ولا حاجة إلى القول بأنها شجرة كذا أو كذا فإن الشجرة الجامعة لتلك الصفات وإن لم تكن موجودة إلا أنها إذا كانت معلومة الصفة كان التشبيه بها نافعا في المطلوب .
والثانية ( اجتثاثها من فوق الأرض ) وهذه في مقابلة أصلها ثابت في الأول .
والثالثة نفي أن يكون لها قرار وهذه كالمتممة للصفة الثانية والمراد بالكلمة المشبهة بذلك الجهل بالله تعالى والإشراك به سبحانه فإنه أول الآفات وعنوان المخافات ورأس الشقاوات فخبثه أظهر من أن يخفى وليس له حجة ولا ثبات ولا قوة بل هو داحض غير ثابت . اهـ . وهو كلام حسن لكن فيه مخالفة لظواهر كثير من الآثار فتأمل