أيعدكم استئناف مسوق لتقرير ما قبله من زجرهم عن اتباعه عليه السلام بإنكار وقوع ما يدعوهم للإيمان به واستبعاده، وقوله تعالى: أنكم على تقدير حرف الجر أي بأنكم، ويجوز أن لا يقدر ونحو وعدتك الخير إذا متم بكسر الميم من مات يمات، وقرئ بضمها من مات يموت وكنتم ترابا وعظاما أي وكان بعض أجزائكم من اللحم ونظائره ترابا وبعضها عظاما نخرة مجردة عن اللحوم والأعصاب، وتقديم التراب لعراقته في الاستبعاد وانقلابه من الأجزاء البادية أو وكان متقدموكم ترابا صرفا ومتأخروكم عظاما، وقوله تعالى: أنكم تأكيد لأنكم الأول لطول الفصل بينه وبين خبره الذي هو قوله تعالى: مخرجون وإذا ظرف متعلق به أي أيعدكم أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم أولا إذا متم وكنتم ترابا.
واختار هذا الإعراب الفراء والجرمي ، ولا يلزم من ذلك كون الإخراج وقت الموت كما لا يخفى خلافا لما توهمه والمبرد أبو نزار الملقب بملك النحاة. ورده ونقله عنه السخاوي الجلال السيوطي في الأشباه والمنقول عن أن سيبويه أنكم بدل من أنكم الأول وفيه معنى التأكيد وخبر أن الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه أي أيعدكم أنكم تبعثون إذا متم وهذا الخبر المحذوف هو العامل في إذا، ولا يجوز أن يكون [ ص: 31 ] هو الخبر لأن ظرف الزمان لا يخبر به عن الجثة، وإذا أول بحذف المضاف أي إن إخراجكم إذا متم جاز، وكان يأبى البدل لكونه من غير مستقل إذ لم يذكر خبر أن الأولى. المبرد
وذهب إلى أن الأخفش أنكم مخرجون مقدر بمصدر مرفوع بفعل محذوف تقديره يحدث إخراجكم، فعلى هذا التقدير يجوز أن تكون الجملة الشرطية خبر أنكم الأول ويكون جواب إذا ذلك الفعل المحذوف، ويجوز أن يكون ذلك الفعل هو خبر أن ويكون عاملا في إذا، وبعضهم يحكي عن أنه يجعل الأخفش أنكم مخرجون فاعلا بإذا كما يجعل الخروج في قولك: يوم الجمعة الخروج فاعلا بيوم على معنى يستقر الخروج يوم الجمعة.
وجوز بعضهم أن يكون أنكم مخرجون مبتدأ ( وإذا متم ) خبرا على معنى إخراجكم إذا متم وتجعل الجملة خبر أن الأولى، قال في البحر: وهذا تخريج سهل لا تكلف فيه ونسبه في سفر السعادة إلى السخاوي ، والذي يقتضيه جزالة النظم الكريم ما ذكرناه عن المبرد ومن معه، وفي قراءة الفراء عبد الله «أيعدكم إذا متم» بإسقاط أنكم الأولى .