الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألا إن لله ما في السماوات والأرض من الموجودات بأسرها خلقا وملكا وتصرفا إيجادا وإعداما بدءا وإعادة لا لأحد غيره شركة أو استقلالا قد يعلم ما أنتم عليه أيها المكلفون من الأحوال والأوضاع التي من جملتها الموافقة والمخالفة والإخلاص والنفاق ودخول المنافقين مع أن الخطاب فيما قبل للمؤمنين بطريق التغليب، وقوله تعالى: ويوم يرجعون إليه خاص بالمنافقين وهو مفعول به عطف على ما أنتم أي يعلم يوم يرجع المنافقون المخالفون للأمر إليه عز وجل للجزاء والعقاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وتعليق علمه بيوم رجعهم لا برجعهم لزيادة تحقيق علمه سبحانه بذلك وغاية تقريره لما أن العلم بوقت وقوع الشيء مستلزم للعلم بوقوع الشيء على أبلغ وجه وآكده، وفيه إشعار بأن علمه جعل وعلا بنفس رجعهم من الظهور بحيث لا يحتاج إلى البيان قطعا. ويجوز أن يكون الخطاب السابق خاصا بهم أيضا فيتحقق التفاتان التفات من الغيبة إلى الخطاب في أنتم والتفات من الخطاب إلى الغيبة في يرجعون والعطف على حاله. وجوز أن يكون على مقدر أي ما أنتم عليه الآن ويوم إلخ فإن الجملة الاسمية تدل على الحال في ضمن الدوام والثبوت. وقيل: يجوز أن يكون ( يوم ) ظرفا لمحذوف يعطف على ما قبله أي وسيحاسبهم يوم أو نحو ذلك ولا أرى اختصاصه بالوجه الثاني في الخطاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البحر بعد ذكر الوجهين فيه والظهر عطف ( يوم ) على ما أنتم عليه وقال ابن عطية : يجوز أن يكون التقدير والعلم يظهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون ( يوم ) نصبا على الظرفية بمحذوف وقد للتحقيق وفيا الاحتمالان المتقدمان آنفا، وقد مر غير مرة ما يراد بمثل هذه الجملة من الوعيد أو الوعد. ولا يخفى المناسب لكل من [ ص: 229 ] الاحتمالات في ( أنتم ويرجعون ) وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو «يرجعون» مبنيا للمفعول فينبئهم بما عملوا أي بعملهم أو بالذي عملوه من الأعمال السيئة التي من جملتها مخالفة الأمر فيرتب سبحانه عليه ما يليق به من التوبيخ والجزاء أو فينبئهم بما عملوا خيرا أو شرا فيرتب سبحانه على ذلك ما يليق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر والله بكل شيء عليم لا يخفى عليه شيء من الأشياء. والجملة تذييل مقرر لما قبله، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم، وتقديم الظرف لرعاية رؤوس الآي. وقيل وفيه بحث: إنه للحصر على معنى والله عليم بكل شيء لا ببعض الأشياء كما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة ومن حذا حذوهم حفظنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلالات لنا نورا نهتدي به إذا أدلهم ليل الجهالات هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية