إن الذين يحبون أي يريدون ويقصدون أن تشيع أن تنتشر ( الفاحشة ) أي الخصلة المفرطة في القبح وهي الفرية والرمي بالزنا أو نفس الزنا كما روي عن ، والمراد بشيوعها شيوع خبرها قتادة في الذين آمنوا متعلق بتشيع أي تشيع فيما بين الناس.
وذكر المؤمنين لأنهم العمدة فيهم أو بمضمر هو حال من الفاحشة أي كائنة في حق المؤمنين وفي شأنهم والمراد بهم المحصنون والمحصنات كما روي عن ابن عباس لهم بسبب ذلك عذاب أليم في الدنيا مما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى ( وفي الآخرة ) من عذاب النار ونحوه، وترتب ذلك على المحبة ظاهر على ما نقل عن الكرماني من أن ويعلم من الآية على أتم وجه سوء حال من نزلت الآية فيهم أعمال القلب السيئة كالحقد والحسد ومحبة شيوع الفاحشة يؤاخذ العبد إذا وطن نفسه عليها، كابن أبي ومن وافقه قلبا وقالبا. وأن لهم الحظ [ ص: 123 ] الأوفر من العذابين حيث أحبوا الشيوع وأشاعوا.
وقال بعضهم: المراد من محبة الشيوع الإشاعة بقرينة ترتب العذاب عليها فإنه لا يترتب إلا على الإشاعة دون المحبة التي لا اختيار فيها، وإن سلم أن المراد بها محبة تدخل تحت الاختيار وهي مما يترتب عليها العذاب قلنا: إن ذلك هو العذاب الأخروي دون العذاب الدنيوي مثل الحد، وقد فسر ابن عباس العذاب الأليم في الدنيا هنا بالحد وهو لا يترتب على المحبة مطلقا بالاتفاق، ومن هنا قيل أيضا: إن ذكر المحبة من قبيل الاكتفاء عن ذكر الشيء وهو الإشاعة بذكر مقتضيه تنبيها على قوة المقتضى، وقيل: إن الكلام على التضمين أي يشيعون الفاحشة محبين شيوعها لأن كلا معنى المحبة والإشاعة مقصودان.واستشكل تفسير العذاب الأليم في الدنيا بالحد بأنه لا يضم إليه العذاب الأليم في الآخرة لأن الحدود مكفرة. وابن جبير
وأجيب بأن حكم الآية مخصوص بمن أشاع ذلك في حق أم المؤمنين، وقيل: الحد لمن نقل الإفك من المسلمين والعذاب الأخروي لأبي عذرته ابن أبي والموصول عام لهما، على أن في كون الحدود مطلقا مكفرة خلافا فبعضهم قال به فيما عدا الردة وبعضهم أنكره وبعضهم توقف فيه
لحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: أبي هريرة «لا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا»
ولعل الأنسب بمساق النظم الكريم من تقبيح الخائضين في الإفك المشيعين له هو ما ذكرناه أولا، والمراد بالموصول إما هم على أن يكون للعهد الخارجي كما روي عن مجاهد والتعبير بالمضارع في الصلة للإشارة إلى زيادة تقبيحهم بأنه قد صارت محبتهم لشيوع الفاحشة عادة مستمرة، وإما ما يعمهم وغيرهم من كل من يتصف بمضمون الصلة على إرادة الجنس ويدخل أولئك المشيعون دخولا أوليا كما قيل: وابن زيد والله يعلم جميع الأمور التي من جملتها ما في الضمائر من المحبة المذكورة وكذا وجه الحكمة في تغليظ الوعيد وأنتم لا تعلمون ما يعلمه سبحانه وتعالى.
والجملة اعتراض تذييلي جيء به تقريرا لثبوت العذاب لهم وتعليلا له، قيل: المعنى والله يعلم ما في ضمائرهم فيعاقبهم عليه في الآخرة وأنتم لا تعلمون ذلك بل تعلمون ما يظهر لكم من أقوالهم فعاقبوا عليه في الدنيا.