فقد أخرج أبو داود وصححه. والترمذي . والنسائي في سننه والبيهقي أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة قالت: فبينما نحن عنده أقبل وميمونة فدخل عليه الصلاة والسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه فقلت: يا رسول الله هو أعمى لا يبصر قال: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟ ابن أم مكتوم عن
، واستدل به من قال بحرمة مطلقا، ولا يبعد القول بحرمة نظر المرأة إلى شيء من الرجل الأجنبي إلى ما عدا ما بين السرة والركبة إذا كان بشهوة ولا تستبعد وقوع هذا النظر فإنه كثير ممن يستعملن السحاق من النساء والعياذ بالله تعالى نظر المرأة المرأة ويحفظن فروجهن أي عما لا يحل لهن من الزنا والسحاق أو من الإبداء أو مما يعم ذلك والإبداء ولا يبدين زينتهن أي ما يتزين به من الحلي ونحوه إلا ما ظهر منها أي إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا مؤاخذة في إبدائه للأجانب وإنما المؤاخذة في إبداء ما خفي من الزينة كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط.
وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها إلا لمن استثني في الآية بعد وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها كالنظر إلى سوار امرأة يباع في السوق لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الخطر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله تعالى في الكشف عنها كذا في الكشاف، وهو على ما قال الطيبي مشعر بأن ما ذكر من باب الكناية على نحو قولهم: فلان طاهر الجيب طاهر الذيل.
وقال صاحب الفرائد: هو من باب إطلاق اسم الحال على المحل فالمراد بالزينة مواقعها فيكون حرمة النظر إلى المواقع بعبارة النص بدلالته وهي أقوى، وفيه بحث.
وقيل: الكلام على تقدير مضاف أي لا يبدين مواقع زينتهن، وقال ابن المنير : الزينة على حقيقتها وما يأتي إن شاء الله تعالى من قوله عز وجل: ولا يضربن بأرجلهن الآية يحقق أن إبداء الزينة مقصود بالنهي، وأيضا لو كان المراد من الزينة موقعها للزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع الزين الظاهرة وهذا باطل لأن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة، وأنت تعلم أن ابن المنير مالكي وما ذكره مبني على مذهبه وما ذكره مبني على المشهور من مذهب الإمام الزمخشري من أن أبي حنيفة ليست بعورة [ ص: 141 ] مطلقا فلا يحرم النظر إليها، وقد أخرج مواقع الزين الظاهرة من الوجه والكفين والقدمين أبو داود وابن مردويه عن والبيهقي رضي الله تعالى عنها عائشة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال يا أسماء بنت أبي بكر إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفه صلى الله عليه وسلم، أسماء وأخرج أن ابن أبي شيبة عن وعبد بن حميد أنه قال في قوله تعالى: ابن عباس إلا ما ظهر منها رقعة الوجه وباطن الكف،
وأخرجا عن أنه قال: الوجه والكفان ولعل القدمين عندهما كالكفين إلا أنهما لم يذكراهما اكتفاء بالعلم بالمقايسة فإن الحرج في سترهما أشد من الحرج في ستر الكفين لا سيما بالنسبة إلى أكثر نساء ابن عمر العرب الفقيرات اللاتي يمشين لقضاء مصالحهن في الطرقات. ومذهب عليه الرحمة كما في الزواجر أن الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين عورة في النظر من المرأة ولو أمه على الأصح وإن كانا ليسا عورة من الحرة في الصلاة، وفي المنهاج وشرحه الشافعي لابن حجر في باب شروط الصلاة ولو مبعضة ومكاتبة وأم ولد كعورة الرجل ما بين السرة والركبة في الأصح وعورة الحرة ولو غير مميزة والخنثى الحر ما سوى الوجه والكفين وإنما حرم نظرهما كالزائد على عورة الأمة لأن ذلك مظنة الفتنة، ويجب في الخلوة ستر سوأة الأمة كالرجل وما بين سرة وركبة الحرة فقط إلا لأدنى غرض كتبريد وخشية غبار على ثوب تجمل انتهى. عورة الأمة
وذكر في الزواجر لأن رؤية البعض ربما جر إلى رؤية الكل فكان اللائق حرمة نظره أيضا بل قال: حرم أئمتنا حرمة نظر سائر ما انفصل من المرأة ولو من يدها، وذهب بعض الشافعية إلى حل النظر لقلامة ظفر المرأة المنفصلة إن أمنت الفتنة وليس يعول عليه عندهم، وفسر بعض أجلتهم ما ظهر بالوجه والكفين بعد أن ساق الآية دليلا على أن عورة الحرة ما سواهما، وعلل حرمة نظرهما بمظنة الفتنة فدل ذلك على أنه ليس كل ما يحرم نظره عورة، وأنت تعلم أن إباحة النظر إلى الوجه والكف حسبما تقتضيه الآية عندهم مع القول بحرمة النظر إليهما مطلقا في غاية البعد فتأمل. واعلم أنه إذا كان المراد النهي عن إبداء الوجه والكفين وقيل: بعمومها الوجه والكفين والتزم القول بكونهما عورة وحرمة إبدائهما لغير من استثنى بعد يجوز أن يكون الاستثناء في قوله تعالى: إبداء مواقع الزينة، إلا ما ظهر منها من الحكم الثابت بطريق الإشارة وهو المؤاخذة في دار الجزاء، ويكون المعنى أن ما ظهر منها من غير إظهار كأن كشفته الريح مثلا فهن غير مؤاخذات به في دار الجزاء، وفي حكم ذلك ما لزم إظهاره لنحو تحمل شهادة ومعالجة طبيب، وروى الطبراني وصححه والحاكم وجمع آخرون عن وابن المنذر أن ما ظهر الثياب والجلباب، وفي رواية الاقتصار على الثياب وعليها اقتصر أيضا الإمام ابن مسعود . وقد جاء إطلاق الزينة عليها في قوله تعالى: أحمد خذوا زينتكم عند كل مسجد [الأعراف: 31] على ما في البحر، وجاء في بعض الروايات عن أن ما ظهر الكحل والخاتم والقرط والقلادة. ابن عباس
وأخرج عن ابن أبي شيبة أنه الكف وثغرة النحر، وعن عكرمة أنه الخاتم والسوار. وروي غير ذلك، ولا يخفى أن بعض الأخبار ظاهر في حمل الزينة على المعنى المتبادر منها وبعضها ظاهر في حملها على مواقعها، وقال الحسن ابن بحر : الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله تعالى وعلى ما يتزين به من فضل لباس، والمراد في الآية النهي عن إبداء ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن إخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطرف، وأنكر بعضهم إطلاق الزينة على الخلقة، قال في البحر: والأقرب دخولها [ ص: 142 ] في الزينة وأي زينة أحسن من الخلقة المعتدلة وليضربن بخمرهن على جيوبهن إرشاد إلى كيفية إخفاء بعض مواقع الزينة بعد النهي عن إبدائها، والخمر جمع خمار ويجمع في القلة على أخمرة وكلا الجمعين مقيس وهو المقنعة التي تلقيها المرأة على رأسها من الخمر وهو الستر، والجيوب جمع جيب وهو فتح في أعلى القميص يبدو منه بعض الجسد، وأصله على ما قيل من الجيب بمعنى القطع وفي الصحاح تقول: جبت القميص أجوبه وأجيبه إذا قورت جيبه، قال الراجز:
باتت تجيب أدعج الظلام جيب البيطر مدرع الهمام
وإطلاقه على ما ذكر هو المعروف لغة، وأما إطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها كما هو الشائع بيننا اليوم فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيمية لكنه ليس بخطأ بحسب المعنى، والمراد من الآية كما روى عن ابن أبي حاتم أمرهن بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن لئلا يرى منها شيء وكان النساء يغطين رؤوسهن بالخمر ويسدلنها كعادة الجاهلية من وراء الظهر فيبدو نحورهن وبعض صدورهن، وصح أنه لما نزلت هذه الآية سارع نساء المهاجرين إلى امتثال ما فيها فشققن مروطهن فاختمرن بها تصديقا وإيمانا بما أنزل الله تعالى من كتابه، وعدي يضرب بعلى على ما قال ابن جبير لتضمينه معنى الوضع والإلقاء، وقيل: معنى الشد، وظاهر كلام أبو حيان أنه يتعدى بعلى بدون تضمين، وقرأ الراغب عباس عن «وليضربن» بكسر اللام وقرأ غير واحد من السبعة «جيوبهن» بكسر الجيم والضم هو الأصل لأن فعلا بجمع على فعول في الصحيح والمعتل كفلوس وبيوت والكسر لمناسبة الياء، وزعم أبي عمرو أنها لغة رديئة. الزجاج
ولا يبدين زينتهن كرر النهي لاستثناء بعض مواد الرخصة عنه باعتبار الناظر بعد ما استثنى عنه بعض مواد الضرورة باعتبار المنظور إلا لبعولتهن أي أزواجهن فإنهم المقصودون بالزينة والمأمورات نساؤهم بها لهم حتى أن لهم ضربهن على تركها ولهم النظر إلى جميع بدنهن حتى المحل المعهود كما في إرشاد العقل السليم.
وكره النظر إلى ذلك أكثر الشافعية وحرمه بعضهم، وقيل: إنه خلاف الأولى وهو على ما قال الخفاجي :
مذهب الحنفية وتفصيله في الهداية وفيما ذكرنا إشارة إلى وجه تقديم بعولتهن.
أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن لكثرة المخالطة الضرورية بينهم وبينهن وقلة توقع الفتنة من قبلهم ولهم أن ينظروا منهن ما يبدو عند المهنة والخدمة وهذا الحكم ليس خاصا بالآباء الأقربين بل آباء الآباء وإن علوا كذلك ومثلهم آباء الأمهات وكذا ليس خاصا بالأبناء والبنين الصلبيين بل يعمهم وأبناء الأبناء وبني البنين وإن سفلوا، والمراد بالإخوان ما يشمل الأعيان وهم الإخوة لأب واحد وأم واحدة وبني العلات وهم أولاد الرجل من نسوة شتى والأخياف وهم أولاد المرأة من آباء شتى ونظير ذلك يقال في الأخوات، واستعمل ( بني ) معهم دون أبناء لأنه أوفق بالعموم وأكثر استعمالا في الجماعة ينتمون إلى شخص مع عدم اتحاد صنف قرابتهم فيما بينهم ألا ترى أنك كثيرا ما تسمع بني آدم وبني تميم وقلما تسمع أبناء آدم وأبناء تميم وفيما نحن فيه قد يجتمع للمرأة ابن أخ شقيق وابن أخ لأب وابن أخ لأم بل قد يجتمع لها أبناء أخ شقيق أو إخوة أشقاء أعيان وبنو علات وأبناء أخ [ ص: 143 ] أو إخوة لأب وأبناء أخ أو إخوة لأم كذلك ويتأتى مثل ذلك في ابن الأخت لكن لا يتصور هنا بنو العلات كما لا يتصور في أبناء الأخ الأخياف والاجتماع في أبنائهن وأبناء بعولتهن وإن اتفق لكنه ليس بتلك المثابة.
وقيل اختير في الأخيرين ( بني ) لأنه لو جيء بأبناء تلاقت همزتان إحداهما همزة أبناء والثانية همزة إخوان أو أخوات وهو على ما فيه لا يحسم مادة السؤال إذ للسائل أن يقول بعد: لم اختبر في الأولين ( أبناء ) دون ( بني ) ويحتاج إلى نحو أن يقال اختير ذلك لأنه أوفق بآباء، وقيل اختير ( أبناء ) في الأولين لهذا، واختير بني في بني أخواتهن ليكون المضاف والمضاف إليه من نوع واحد، وفي بني أخوانهن للمشاكلة وفيه ما فيه، ولم يذكر سبحانه الأعمام والأخوال مع أنهم كما قال الحسن. كسائر المحارم في جواز إبداء الزينة لهم قيل لأنهم في معنى الإخوان من حيث كون الجد سواء كان أب الأب أو أب الأم في معنى الأب فيكون ابنه في معنى الأخ، وقيل لم يذكرهم سبحانه لما أن الأحوط أن يستترن عنهم حذرا من أن يصفوهن لأبنائهم فيؤدي ذلك إلى نظر الأبناء إليهن. وأخرج ذلك وابن جبير ابن المنذر عن وابن أبي شيبة وفيه من الدلالة على وجوب التستر من الأجانب ما فيه. الشعبي
وضعف بأنه يجري في آباء البعولة إذ لو رأوا زينتهن لربما وصفوهن لأبنائهم وهم ليسوا محارم فيؤدي إلى نظرهم إليهن لا سيما إذا كن خليات، وقيل لم يذكروا اكتفاء بذكر الآباء فإنهم عند الناس بمنزلتهم لا سيما الأعمام وكثيرا ما يطلق الأب على العم، ومنه قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر [الأنعام: 74] ثم إن المحرمية المبيحة للإبداء كما تكون من جهة النسب تكون من جهة الرضاع فيجوز أن يبدين زينتهن لآبائهن وأبنائهن مثلا من الرضاع أو نسائهن المختصات بهن بالصحبة والخدمة من حرائر المؤمنات فإن الكوافر لا يتحرجن أن يصفنهن للرجال فهن في إبداء الزينة لهن كالرجال الأجانب، ولا فرق في ذلك بين الدمية وغيرها وإلى هذا ذهب أكثر السلف.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر في سننه عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه أما بعد فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك فإنه من قبلك عن ذلك فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تنظر إلى عورتها إلا من كانت من أهل ملتها. وفي روضة أبي عبيدة النووي في وجهان أصحهما عند نظر الذمية إلى المسلمة أنها كالمسلمة وأصحهما عند الغزالي المنع، وفي المنهاج له الأصح تحريم نظر ذمية إلى مسلمة، ومقتضاه أنها معها كالأجنبي واعتمده جمع من الشافعية، وقال البغوي ابن حجر: الأصح تحريم نظرها إلى ما لا يبدو في المهنة من مسلمة غير سيدتها ومحرمها ودخول الذميات على أمهات المؤمنين الوارد في الأحاديث الصحيحة دليل لحل نظرها منها ما يبدو في المهنة. وقال الإمام المذهب أنها كالمسلمة، والمراد بنسائهن جميع النساء. وقول السلف محمول على الاستحباب وهذا القول أرفق بالناس اليوم فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات. الرازي:
أو ما ملكت أيمانهن أي من الإماء ولو كوافر وأما العبيد فهم كالأجانب، وهذا مذهب رضي الله تعالى عنه، وأحد قولين في مذهب أبي حنيفة عليه الرحمة وصححه كثير من الشافعية والقول الآخر أنهم كالمحارم، وصحح أيضا، ففي المنهاج وشرحه الشافعي لابن حجر والأصح أن نظر العبد العدل ولا يكفي العفة عن [ ص: 144 ] الزنا فقط غير المشترك والمبعض وغير المكاتب كما في الروضة عن القاضي وأقره وإن أطالوا في رده إلى سيدته المتصفة بالعدالة كالنظر إلى محرم فينظر منها ما عدا بين السرة والركبة وتنظر منه ذلك ويلحق بالمحرم أيضا في الخلوة والسفر اهـ بتلخيص، وإلى كون العبد كالأمة ذهب ثم رجع عنه وقال: لا يغرنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور، وعلل بأنهم فحول ليسوا أزواجا ولا محارم والشهوة متحققة فيهم لجواز النكاح في الجملة كما في الهداية. ابن المسيب
وروي عن ابن مسعود والحسن أنهم قالوا: لا ينظر العبد إلى شعر مولاته، وأخرج وابن سيرين عبد الرزاق عن وابن المنذر أنه سئل هل يرى غلام المرأة رأسها وقدمها؟ قال: ما أحب ذلك إلا أن يكون غلاما يسيرا فأما رجل ذو لحية فلا، ومذهب طاوس عائشة رضي الله تعالى عنهما، وروي عن بعض أئمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أنه يجوز للعبد أن ينظر من سيدته ما ينظر أولئك المستثنون: وروي عن وأم سلمة أنها كانت تمتشط وعبدها ينظر إليها وأنها قالت عائشة لذكوان: إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر، وعن كانت أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم. مجاهد
وأخرج في مسنده أحمد وأبو داود وابن مردويه عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه أنس رضي الله تعالى عنها بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة رضي الله تعالى عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
. والذي يقتضيه ظاهر الآية عدم الفرق بين الذكر والأنثى لعموم «ما» ولأنه لو كان المراد الإناث خاصة لقيل أو إمائهن فإنه أخصر ونص في المقصود، وإذا ضم الخبر المذكور إلى ذلك قوي القول بعدم الفرق والتفصي عن ذلك صعب، وأحسن ما قيل في الجواب عن الخبر أن الغلام فيه كان صبيا إذ الغلام يختص حقيقة به فتأمل، وخرج بإضافة الملك إليهن عبد الزوج فهو والأجنبي سواء قيل: وجعله بعضهم كالمحرم لقراءة «أو ما ملكت أيمانكم» أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أي الذين يتبعون ليصيبوا من فضل الطعام غير أصحاب الحاجة إلى النساء وهم الشيوخ الطاعنون في السن الذين فنيت شهواتهم والممسوحون الذين قطعت ذكورهم وخصاهم، وفي المجبوب وهو الذي قطع ذكره والخصي وهو من قطع خصاه خلاف واختير أنهما في حرمة النظر كغيرهما من الأجانب وكان يرى جواز نظر الخصي ولا يعتد برأيه وهو على ما قيل أول من اتخذ الخصيان، وعن معاوية ميسون الكلبية أن دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه فقال: هو خصي فقالت: يا معاوية أترى أن المثلة به تحلل ما حرم الله تعالى، وليس له أن يستدل بما روي معاوية أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خصيا فقبله إذ لا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء.
وأخرج وجماعة عن ابن جرير أن غير أولي الإربة الأبله الذي لا يعرف أمر النساء وروي ذلك عن مجاهد أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه
وعن أنه المعتوه ومثله المجنون كما قال ابن جبير . ابن عطية
وأخرج وغيره عن ابن المنذر رضي الله تعالى عنهما أنه المخنث الذي لا يقوم زبه لكن ابن عباس
أخرج مسلم وأبو داود وغيرهم عن والنسائي رضي الله تعالى عنها قالت: عائشة كان رجل يدخل على أزواج [ ص: 145 ] النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي عليه الصلاة والسلام يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا ترى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخل عليكن فحجبوه .
وجاء أنه عليه الصلاة والسلام أخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم
، ولعل الأولى حمل غير أولي الإربة على الذين لا حاجة لهم بالنساء ولا يعرفون شيئا من أمورهن بحيث لا تحدثهم أنفسهم بفاحشة ولا يصفونهن للأجانب ولا أرى الاكتفاء في غير أولي الإربة بعدم الحاجة إلى النساء إذ لا تنتفي به مفسدة الإبداء بالكلية كما لا يخفى.
ولعل في الخبر نوع إيماء إلى هذا وفي المنهاج وشرحه لابن حجر عليه الرحمة، والأصح أن نظر الممسوح ذكره كله وأنثياه بشرط أن لا يبقى فيه ميل للنساء أصلا وإسلامه في المسلمة ولو أجنبيا لأجنبية متصفة بالعدالة كالنظر إلى محرم فينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة وتنظر منه ذلك ويلحق بالمحرم أيضا في الخلوة والسفر ويعلم منه أن التمثيل بالممسوح فيما سبق ليس على إطلاقه، وأما الشيخ الهم والمخنث فهما عند الشافعية في النظر إلى الأجنبيات ليسا كالممسوح، وصححوا أيضا أن المجنون يجب الاحتجاب منه فلا تغفل، وجر ( غير ) قيل على البدلية لا الوصفية لاحتياجها إلى تكلف جعل التابعين لعدم تعينهم كالنكرة كما قال أو جعل ( غير ) متعرفا بالإضافة هنا مثلها في الفاتحة وفيه نظر وقرأ الزجاج ابن عامر ( غير ) بالنصب على الحال والاستثناء. وأبو بكر
أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء أي الأطفال الذين لم يعرفوا ما العورة ولم يميزوا بينها وبين غيرها على أن لم يظهروا إلخ من قولهم ظهر على الشيء إذا اطلع عليه فجعل كناية عن ذلك أو الذين لم يبلغوا حد الشهوة والقدرة على الجماع على أنه من ظهر على فلان إذا قوي عليه ومنه قوله تعالى: فأصبحوا ظاهرين [الصف: 14] ويشمل الطفل الموصوف بالصفة المذكورة بهذا المعنى المراهق الذي لم يظهر منه تشوق للنساء، وقد ذكر بعض أئمة الشافعية أنه كالبالغ فيلزم الاحتجاب منه على الأصح كالمراهق الذي ظهر منه ذلك، ويشمل أيضا من دون المراهق لكنه بحيث يحكي ما يراه على وجهه. وذكروا في غير المراهق أنه إن كان بهذه الحيثية فكالمحرم وإلا فكالعدم فيباح بحضوره ما يباح في الخلوة فلا تغفل.
والظاهر أن ( الطفل ) عطف على قوله تعالى: ( لبعولتهن ) أو على ما بعده من نظائره لا على ( الرجال ) وكلام أبي حيان ظاهر في أنه عطف عليه وليس بشيء، ثم هو مفرد محلى بأل الجنسية فيعم ولهذا كما قال في البحر: وصف بالجمع فكأنه قيل: أو الأطفال كما هو المروي عن مصحف ، ومثل ذلك قولهم: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وقيل هو مفرد وضع موضع الجمع، ونحوه قوله تعالى: حفصة ثم يخرجكم طفلا [غافر: 67] .
وتعقب بأن وضع المفرد موضع الجمع لا ينقاس عند وما هنا عنده من باب المفرد المعرف بلام الجنس وهو يعم بدليل صحة الاستثناء منه، والآية المذكور يحتمل أن تكون عنده على معنى ثم يخرج كل واحد منكم طفلا كما قيل في قوله تعالى: سيبويه وأعتدت لهن متكأ [يوسف: 31] أنه على معنى واعتدت لكل واحدة منهن متكأ فلا يتعين كون «طفلا» فيها مما لا ينقاس عنده، وقال : إن «طفلا» يقع على الجمع كما يقع على المفرد ونص على [ ص: 146 ] ذلك الراغب الجوهري، وكذا قال بعض النحاة: إنه في الأصل مصدر فيقع على القليل والكثير والأمر على هذا ظاهر جدا، والعورات جمع عورة وهي في الأصل ما يحترز من الاطلاع عليه وغلبت في سوأة الرجل والمرأة ولغة أكثر العرب تسكين الواو في الجمع وهي قراءة الجمهور.
وروي عن أنه قرأ «عورات» بفتح الواو، والمشهور أن تحريك الواو وكذا الياء في مثل هذا الجمع لغة ابن عامر هذيل بن مدركة. ونقل ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات أن ابن أبي إسحاق قرأ «عورات» بالفتح ثم قال: والأعمش
وسمعنا ابن مجاهد يقول: هو لحن، وإنما جعله لحنا وخطأ من قبل الرواية وإلا فله مذهب في العربية فإن بني تميم يقولون: روضات وجوزات وعورات بالفتح فيها وسائر العرب بالإسكان، وقال : الفراء العرب على تخفيف ذلك إلا هذيلا فتثقل ما كان من هذا النوع من ذوات الياء والواو وأنشدني بعضهم:
أبو بيضات رائح متأدب رفيق بمسح المنكبين سبوح
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين أي ما يسترنه عن الرؤية من زينتهن أي لا يضربن بأرجلهن الأرض ليتقعقع خلاخلهن فيعلم أن هن ذوات خلاخل فإن ذلك مما يورث الرجال ميلا إليهن ويوهم أن لهن ميلا إليهم. أخرج عن ابن جرير حضرمي أن امرأة اتخذت خلخالا من فضة واتخذت جزعا فمرت على قوم فضربت برجلها فوقع الخلخال على الجزع فصوت فأنزل الله تعالى ولا يضربن إلخ، والنساء اليوم على جعل الخرز ونحوها في جوف الخلخال فإذا مشين به ولو هونا صوت، ولهن من أنواع الحلي غير الخلخال ما يصوت عند المشي أيضا لا سيما إذا كان مع ضرب الرجل وشدة الوطء، ومن الناس من يحرك شهوته وسوسة الحلي أكثر من رؤيته. وفي النهي عن إبداء صوت الحلي بعد النهي عن إبداء عينه من النهي عن إبداء مواضعه ما لا يخفى. وربما يستدل بهذا النهي على النهي عن استماع صوتهن.
والمذكور في معتبرات كتب الشافعية وإليه أميل أن صوتهن ليس بعورة فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة، وكذا إن التذ به كما بحثه الزركشي. وأما عند الحنفية فقال الإمام ابن الهمام: صرح في النوازل أن ولذا نغمة المرأة عورة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والتكبير للرجال والتصفيق للنساء»
فلا يحسن أن يسمعها الرجل اهـ.
ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويتسترن به إذا خرجن من بيوتهن وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان وفيه من النقوش الذهبية أو الفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك ومشيهن به بين الأجانب من قلة الغيرة وقد عمت البلوى بذلك، ومثله ما عمت به البلوى أيضا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن وعدم مبالاة بعولتهن بذلك وكثيرا ما يأمرونهن به.
وقد تحتجب المرأة منهم بعد الدخول أياما إلى أن يعطوها شيئا من الحلي ونحوه فتبدو لهم ولا تحتجب منهم بعد وكل ذلك ما لم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأمثال ذلك كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وتوبوا إلى الله جميعا تلوين للخطاب وصرف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكل بطريق التغليب لإبراز كمال العناية بما في حيزه من أمر التوبة وأنها من معظمات المهمات الحقيقية بأن يكون سبحانه وتعالى الآمر [ ص: 147 ] بها لما أنه لا يكاد يخلو أحد من المكلفين عن نوع تفريط في إقامة مواجب التكاليف كما ينبغي لا سيما في الكف عن الشهوات.
وقد أخرج أحمد في الأدب المفرد والبخاري ومسلم وابن مردويه في شعب الإيمان عن والبيهقي الأغر رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة»
والمراد بالتوبة على هذا التوبة عما في الحال، وعن رضي الله تعالى عنهما أن المراد التوبة عما كانوا يفعلونه قبل من إرسال النظر وغير ذلك وهو وإن جب بالإسلام لكنه يلزم الندم عليه والعزم على الكف عنه كلما يتذكر، وقد قالوا: إن هذا يلزم كل تائب عن خطيئة إذا تذكرها، ومنه يعلم أن ما يفعله كثير ممن يزعمون التوبة من نقل ما فعلوه من الذنوب على وجه التبجح والاستلذاذ دليل عن عدم صدق توبتهم. ابن عباس
وفي تكرير الخطاب بقوله تعالى: أيه المؤمنون تأكيد للإيجاب وإيذان بأن وصف الإيمان موجب للامتثال حتما، وفي دليل على أن وقرأ المعاصي لا تخرج عن الإيمان. «أيه المؤمنون» بضم الهاء، ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها، وضم ها التي للتنبيه بعد أي لغة ابن عامر لبني مالك رهط شقيق بن مسلمة ووقف بعضهم بسكون الهاء لأنها كتبت في المصحف بلا ألف بعدها.
ووقف أبو عمرو والكسائي كما في النشر. بالألف على خلاف الرسم ويعقوب. لعلكم تفلحون أي لكي تفوزوا بذلك بسعادة الدارين أو مرجوا فلا حكم.