وقيل: إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة وكلا القولين لا يعول عليهما لا سيما الأخير أي ذلك الذي ذكر من السعير التي اعتدت لمن كذب بالساعة وشأنها كيت وكيت وشأن أهلها ذيت ذيت خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون أي وعدها المتقون لأن وعد تتعدى لمفعولين وهذا المحذوف هو العائد على الموصول وإضافة الجنة إلى الخلد إن كانت نسبة الإضافة معلومة للمدح فإن المدح يكون بما هو معلوم، وإن لم تكن معلومة فلإفادة خلود الجنة، ولا يخدشه قوله تعالى: خالدين بعد لأنه للدلالة على خلود أهلها لا خلودها في نفسها وإن تلازما أو أن ذلك للتمييز عن جنات الدنيا، وقيل: إن جنة الخلد علم كجنة عدن، والمراد بالمتقين المتصفون بمطلق التقوى لا بالمرتبة الثانية أو الثالثة منها فقط، ويدل عليه مقابلتهم بالكافرين في النظم الكريم، وقيل:
يجوز أن يراد الكاملون في التقوى ووعدها إياهم وعد دخولها ابتداء دون [ ص: 246 ] سبق عذاب وهو مختص بهم وليس بذاك، والترديد والتفضيل في خير مع أنه لا شك في أنه لا خيرية في السعير للتهكم والتقريع كما أشرنا إليه.
وقال : حيث كان الكلام استفهاما جاز فيه مجيء لفظة التفضيل بين الجنة والسعير في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطإ، وإنما منع ابن عطية وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبرا لأن فيه مخالفة الواقع، وأما إذا كان استفهاما فذلك سائغ، وقال سيبويه : إن أبو حيان خير هنا ليس للدلالة على الأفضلية بل هو على ما جرت به عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقول : حسان
«فشركما لخيركما الفداء» .
وقولهم: الشقاء أحب إليك أم السعادة والعسل أحلى من الخل، وقوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام السجن أحب إلي [يوسف: 33] ولا اختصاص لذلك في استفهام أو خبر.وما ذكر من أمثلة الخبر يرد على إلا أن يقيد الخير الذي ادعى منع ابن عطية فيه بما لم يكن الحكم فيه واضحا أما إذا كان الحكم فيه واضحا للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد في الأفضل فإن التفضيل يجوز فيه، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام وما أشرنا إليه هنا أولى بالاعتبار مما أشار سيبويه ابن عطية وأبو حيان إليه.
كانت تلك الجنة لهم أي في علم الله تعالى أو في اللوح أو المراد تكون على أنه وعد من أكرم الأكرمين عبر عنه بالماضي على طريق الاستعارة لتحقق وقوعه فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد، وجوز أن يكون هذا باعتبار تقدم وعده تعالى في كتبه وعلى لسان رسله عليهم الصلاة والسلام إياهم بها جزاء على أعمالهم بمقتضى الوعد لا بالإيجاب ومصيرا ينقلبون إليه، ولم يكتف بقوله تعالى: كانت لهم جزاء لعدم استلزامه ذلك فقد يثيب الملك في الدنيا إنسانا ببستان مثلا ولا يراه فضلا عن أن يسكن فيه، وجملة كانت لهم إلخ على ما ذكره الطبرسي في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد على الموصول في وعد المتقون بتقدير قد أو بدونه، وجوز أن تكون بدلا من وعد المتقون وتفسيرا له، وأن تكون استئنافا في موضع التعليل.
وذكر ما يشعر بأن هذه الجملة تذييل لتذكير النعمة بما خولهم الله تعالى وطيب عيشهم في ذلك المكان الرافع على وجه يتضمن ضد ذلك لأضدادهم فكأنه قيل: كانت لهم جزاء موفورا لا يدخل تحت الوصف ومصيرا أي مصيرا لا يقادر قدره وليس كمصير الكفرة المشار إليه بقوله سبحانه: الزمخشري وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا ويعلم منه فائدة ذكر المصير مع ذكر الجزاء فتأمل، وقوله سبحانه: