اجتناب ما هو غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى، والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه، والثاني أن يراد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران. ومعنى من الرهب من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك، جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه، ومعنى واضمم إليك جناحك وقوله تعالى: اسلك يدك في جيبك على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني إخفاء الرعب اهـ، وضم الجناح على الثاني كناية عن التجلد والضبط نحو قوله:
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك
وهو مأخوذ من فعل الطائر عند الأمن بعد الخوف، وهو في الأصل مستعار من فعل الطائر عند هذه الحالة ثم كثر استعماله في التجلد وضبط النفس حتى صار مثلا فيه وكناية عنه، وعليه يكون تتميما لمعنى إنك من الآمنين وهذا مأخوذ من كلام فإنه قال: هذا أمر منه سبحانه بالعزم على ما أراده منه وحض على الجد فيه لئلا يمنعه الجد الذي يغشاه في بعض الأحوال عما أمر بالمضي فيه. وليس المراد بالضم الضم المزيل للفرجة بين الشيئين وهو أبعد عن المناقشة مما ذكره أبي علي الفارسي ومثله في البعد عن المناقشة ما قاله الزمخشري. البقاعي: من أنه أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند خروج يده بيضاء حتى لا يحذر ولا يضطرب من الخوف. وأراد بأحد التفسيرين الوجه الأول لأن المعنى عليه أدخل يدك اليمنى تحت عضدك اليسرى، وقال بعضهم: إن المعنى اضمم يديك المبسوطتين بإدخال اليمنى تحت العضد الأيسر واليسرى تحت الأيمن أو بإدخالهما في [ ص: 76 ] الجيب. وظاهره أنه أريد بالجناح الجناحان، وقد صرح الطبرسي بذلك في نحو ما ذكر وقال: إنه قد جاء المفرد مرادا به التثنية كما في قوله:
يداك يد إحداهما الجود كله وراحتك اليسرى
وقال بعضهم: هو فعلان من البره بمعنى القطع فيفسر بالحجة القاطعة، وقيل: هو فعلان لقولهم برهن ونقل عن الأكثر أن برهن مولد بنوه من لفظ البرهان، وقرأ أبو عمرو « (فذانك) » بتشديد النون وهي لغة فيه، فقيل: إنه عوض من الألف المحذوفة من ذا حال التثنية لألفها نون وأدغمت، وقال وابن كثير إنه بدل من لام ذلك كأنهم أدخلوها بعد نون التثنية، ثم قلبت اللام نونا لقرب المخرج وأدغمت وكان القياس قلب الأولى لكنه حوفظ على علامة التثنية، وقرأ المبرد: ابن مسعود وعيسى وأبو نوفل وابن هرمز وشبل. «فذانيك» بياء بعد النون المكسورة وهي لغة هذيل، وقيل: بل لغة تميم، ورواها شبل عن وعنه أيضا «فذانيك» بفتح النون قبل الياء على لغة من فتح نون التثنية نحو قوله: ابن كثير،
على أحوذيين استقلت عشية فما هي إلا لمحة وتغيب
[ ص: 77 ] وعن أنه قرأ بتشديد النون مكسورة بعدها ياء، قيل وهي لغة ابن مسعود هذيل، وقال المهدوي: بل لغتهم تخفيفها (ومن) في قوله تعالى: من ربك متعلق بمحذوف هو صفة لـ برهانان أي كائنان من ربك (وإلى) في قوله سبحانه: إلى فرعون وملئه متعلق بمحذوف أيضا هو على ما يقتضيه ظاهر كلام بعضهم صفة بعد صفة له أي واصلان إليهم، وعلى ما يقتضيه ظاهر كلام آخرين حال منه أي مرسلا أنت بهما إليهم.
وفي البحر أنه متعلق بمحذوف دل عليه المعنى تقديره اذهب إلى فرعون إنهم أي فرعون وملأه كانوا قوما فاسقين أي خارجين عن حدود الظلم والعدوان فكانوا أحقاء بأن نرسلك بهاتين المعجزتين الباهرتين إليهم، والكلام في كانوا يعلم مما تقدم في نظائره