وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين انفهاما بينا، أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص، وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه، وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لـ "آية"، وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها، والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والإيمان. وإيتاؤها نزول الوحي بها، أي ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء، وأما "ما" يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا. وإيتاؤها ظهورها لهم أي ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي إلى الإيمان به عز وجل.
وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات، و (عن) متعلقة بـ (معرضين) قدمت عليه للحصر الادعائي مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عما هم عليه من الكفر، وقيل لرعاية الفواصل، والجملة في حيز النصب على أنها حال من مفعول "تأتي" أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما تأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال إعراضهم عنها.
وجملة وما تأتيهم إلخ- على ما يشعر به كلام الكشاف- تذييل يؤكد ما سبق من حديث الإعراض، وإلى كونه تذييلا ذهب الخفاجي ، ثم قال: فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به، فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل.