وقوله تعالى: هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة أزواجهم، فـ (هم) مبتدأ (وأزواجهم) عطف عليه و(متكئون) خبر والجاران صلة له قيل: قدما عليه لمراعاة الفواصل أو هو والجاران بما تعلقا به من الاستقرار أخبار مترتبة، وجوز أن يكون الخبر هو الظرف الأول، والظرف الثاني متعلق بـ "متكئون" وهو خبر مبتدأ محذوف أي هم متكئون على الأرائك أو الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(متكئون) مبتدأ مؤخر والجملة على الوجهين استئناف بياني، وقيل (هم) تأكيد للمستكن في خبر إن أعني "فاكهون" أو "في شغل".
ومنعه بعضهم زعما منه أن فيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بأجنبي و(متكئون) خبر آخر لها " وعلى الأرائك " متعلق به وكذا في ظلال أو هو متعلق بمحذوف هو حال من المعطوف والمعطوف عليه، ومن جوز مجيء الحال من المبتدأ جوز هذا الاحتمال على تقدير أن يكون (هم) مبتدأ أيضا، والظلال جمع ظل وجمع فعل على فعال كثير كشعب وشعاب وذئب وذئاب، ويحتمل أن يكون جمع ظلة بالضم كقبة وقباب وبرمة وبرام، وأيد بقراءة عبد الله والسلمي وطلحة وحمزة "في ظلل" بضم ففتح فإنه جمع ظلة لا ظل، والأصل توافق القراءات، والكسائي ومنذر بن سعيد يقول: جمع ظلة بالكسر وهي لغة في ظلة بالضم فيكون كلقحة ولقاح وهو قليل.
وفسر الإمام الظل بالوقاية عن مظان الألم ولأهل الجنة من ظل الله تعالى ما يقيهم الأسواء. والجمع باعتبار ما لكل واحد منهم من ذلك أو هو متعدد للشخص الواحد باعتبار تعدد ما منه الوقاية. ويحتمل أنه جمع باعتبار كونه عظيم الشأن جليل القدر كجمع اليد بمعنى القدرة على قول في قوله تعالى: والسماء بنيناها بأيد .
وفسر الظلال جمع ظلة بالملابس ونحوها من الأشياء التي تظل كالستور، وأقول قال أبو حيان : الظل الفيء الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أي شيء كان، وقيل هو مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس وما كان بعد فهو الفيء، وأنت تعلم أن الظل بالمعنى الذي تعتبر فيه الشمس لا يتصور في الجنة إذ لا شمس فيها، ومن هنا قال ابن الأثير : الظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة، وجاء في ظلها ما يدل على أنه كالظل الذي يكون في الدنيا قبل طلوع الشمس، فقد روى الراغب ابن القيم في حادي الأرواح عن أنه سئل ما أرض الجنة؟ قال: مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل: ما نورها؟ قال: ما رأيت الساعة التي قبل طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير، وذكر ابن عباس نحو هذا لكن لم يعزه. وتعقبه ابن عطية بأنه يحتاج إلى نقل صحيح وكيف يكون ذلك وفي الحديث ما يدل على أن حوراء من حور الجنة [ ص: 36 ] لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا أو نحو من هذا، ويمكن الجواب بأن المراد تقريب الأمر لفهم السائل وإيضاح الحال بما يفهمه أو بيان نورها في نفسها لا الأعم منه ومما يحصل فيها من أنوار سكانها الحور العين وغيرهم. أبو حيان
نعم نورها في نفسها أتم من نور الدنيا قبل طلوع الشمس كما يومئ إليه ما أخرجه عن ابن ماجه أسامة قال: الحديث، ويجوز حمل الظلال - جمع ظل - هنا على هذا المعنى، وجمعه للتعدد الاعتباري، ويجوز حمل الظل على العزة والمناعة فإنه قد يعبر به عن ذلك وبهذا فسر "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عدل ولا مثل وهي ورب الكعبة نور يتلألأ" قوله تعالى: الراغب إن المتقين في ظلال وعيون وهو غير معنى الوقاية عن مظان الألم الذي ذكره الإمام، ويجوز حمله على أنه جمع ظلة على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوهما ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه فقد جاء في الكتاب وصح في السنة أن فيها غرفا وهي ظاهرة فيما كان ذا سقف بل صرح في بعض الأخبار بالسقف وجاء فيها أيضا ما هو ظاهر في أن فيها شجرا مرتفعا يظل من تحته، وقد صح من رواية الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قال: وظل ممدود " وأخرج "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤوا إن شئتم عن ابن أبي الدنيا أنه قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها الخبر، ابن عباس وابن الأثير يقول: معنى في ظلها في ذراها وناحيتها، وكان هذا لدفع أنها تظل من الشمس أو نحوها، " والأرائك " جمع أريكة وهو السرير في قول، وقيل: الوسادة، حكاه الطبرسي ، وقال : كل ما اتكئ عليه فهو أريكة، وقال الزهري : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة؛ فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة، وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة، فالسرير والحجلة أريكة وفي حادي الأرواح: لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكون على السرير فراش، وفي الصحاح الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت، وقال ابن عباس : الأريكة حجلة على سرير والجمع آرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجر معروف أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات. الراغب
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكئ على أريكة متكئ على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: متكئين على سرر مصفوفة لجواز أن تكون السرر في الحجال فتكون أرائك، ويجوز أن يقال: إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بأرائك، وسيأتي إن شاء تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا، وقيل: أزواجهم اللاتي زوجهم الله تعالى إياهن من الحور العين، ويجوز فيما يظهر أن يراد الأعم من الصنفين ومن المؤمنات اللاتي متن ولم يتزوجن في الدنيا فزوجهن الله تعالى في الجنة من شاء من عباده، بل الأعم من ذلك كله ومن المؤمنات اللاتي تزوجن في الدنيا بأزواج ماتوا كفارا فأدخلوا النار مخلدين فيها وأدخلن الجنة كامرأة فرعون فقد جاء في الأخبار أنها تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون المراد بأزواجهم أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الإيمان كما قال سبحانه: وآخر من شكله أزواج وقريب منه ما قيل [ ص: 37 ] المراد به أخلاؤهم كما في قوله تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وقيل: يجوز أن يراد به ما يعم الأشكال والأخلاء ومن سمعت أولا، وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الأشكال أو الأخلاء بالخصوص