أوآباؤنا الأولون مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر "إن" عليه أي: أوآباؤنا الأولون مبعوثون [ ص: 78 ] أيضا؟ والجملة معطوفة على الجملة قبلها. وهذا أحد مذاهب في نحو هذا التركيب. وظاهر كلام أبي حيان في شرح التسهيل أن حذف الخبر واجب، فقد قال: قال من نحا إلى هذا المذهب: الأصل في هذه المسألة عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما قبل عليه أنابوا حرف العطف مكانه، ولم يقدروا - إذ ذاك - الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوض عنه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفرد. وثاني المذاهب أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في خبر "إن" إن كان مما يتحمل الضمير وكان الضمير مؤكدا أو كان بينه وبين المعطوف فاصل ما وإلا ضعف العطف. ونسب ابن هشام هذا المذهب والذي قبله إلى المحققين من البصريين. وفي تأتيه هنا من غير ضعف للفصل بالهمزة بحث، فقد قال : إن همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها وهو غير جائز لصدارتها. والجواب بأن الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد، فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما فصل - قد بحث فيه بأن الحرف لا يكرر للتوكيد بدون مدخوله، والمذكور في النحو أن الاستفهام له الصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس مع أن كون الهمزة في نية التقديم يضعف أمر الاعتداد بالفصل بها لا سيما وهي حرف واحد فلا يقاس الفصل بها على الفصل بـ "لا" في قوله تعالى: ما أبو حيان أشركنا ولا آباؤنا .
وثالثها أن يكون عطفا على محل "إن" مع ما عملت فيه، والظاهر أنه حينئذ من عطف الجمل في الحقيقة، ورابعها أن يكون عطفا على محل اسم إن لأنه كان قبل دخولها في موضع رفع، والظاهر أنه حينئذ من عطف المفردات.
واعترض بأن الرفع كان بالابتداء وهو عامل معنوي، وقد بطل بالعامل اللفظي. وأجيب بأن وجوده كلا وجود لشبهه بالزائد من حيث إنه لا يغير معنى الجملة وإنما يفيد التأكيد فقط. واعترض أيضا بأن الخبر المذكور كـ "مبعوثون" في الآية يكون حينئذ خبرا عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتداء أو المبتدأ أو هما وخبر إن رافعه إن فيتوارد عاملان على معمول واحد: وأجيب بأن العوامل النحوية ليست مؤثرات حقيقية بل هي بمنزلة العلامات فلا يضر تواردها على معمول واحد وهو كما ترى، وتمام الكلام في محله، وعلى كل حال الأولى ما تقدم من كونه مبتدأ حذف خبره وقد قال : إن أرباب الأقوال الثلاثة الأخيرة متفقون على جواز القول الأول وهو يؤيد القول بأولويته، وأيا ما كان فمراد الكفرة زيادة استبعاد بعث آبائهم بناء على أنهم أقدم، فبعثهم أبعد على عقولهم القاصرة. وقرأ أبو حيان أبو جعفر وشيبة وابن عامر في رواية. ونافع وقالون "أو" بالسكون على أنها حرف عطف وفيه الاحتمالات الأربعة إلا أن العطف على الضمير على هذه القراءة ضعيف لعدم الفصل بشيء أصلا.