وجعلنا ذريته هم الباقين فحسب حيث أهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقد روي أنه مات كل من في السفينة ولم يعقبوا عقبا باقيا غير أبنائه الثلاث سام وحام ويافث وأزواجهم فإنهم بقوا متناسلين إلى يوم القيامة.
أخرج وحسنه الترمذي وابن سعد وأحمد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وصححه عن والحاكم سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم " وأخرج " عن ابن مردويه مرفوعا نحوه، نعم أخرج أبي هريرة البزار وابن أبي حاتم في تالي التلخيص عنه قال: والخطيب نوح ثلاثة: سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والسودان " ولا أعرف حال الخبر، والأكثرون على أن الناس كلهم في مشارق الأرض ومغاربها من ذرية "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد نوح - عليه السلام - ولذا قيل له آدم الثاني. وإن صح أن لكنعان المغرق ولدا في السفينة لا يبعد إدراجه في الذرية فلا يقتصر على الأولاد الثلاثة، وعلى كون الناس كلهم من ذريته - عليه السلام - استدل بعضهم بالآية. وقالت فرقة: أبقى الله تعالى ذرية نوح - عليه السلام - ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر، وكأن هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق، ونوح - عليه السلام - إنما دعا على الكفار، وهو لم يرسل إلى أهل الأرض كافة، فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم.
والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة، وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه، وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون، ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبق عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين، أي: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين، وولد كنعان إن صح وصح بقاء نسله دخل في ذريته والله تعالى أعلم.