وقوله تعالى: أتخذناهم سخريا بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل كما قرأ بذلك الحجازيان، ، وابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، والأعرج ، والحسن ، استئناف لا محل له من الإعراب، قالوه حيث لم يروهم معهم إنكارا على أنفسهم، وتأنيبا لها في الاستسخار منهم، وقوله تعالى: وقتادة أم زاغت عنهم الأبصار متصل بقوله تعالى: ما لنا لا نرى إلخ، وأم فيه متصلة، وتقدم ما فيه معنى الهمزة يغني عن تقدمها على ما يقتضيه كلام ، والمعنى: ما لنا لا نراهم في النار، أليسوا فيها، فلذلك لا نراهم، بل أزاغت عنهم أبصارنا، فلا نراهم، وهم فيها، أو بقوله تعالى: الزمخشري أتخذناهم إلخ، وأم فيه إما متصلة أيضا، والمقابلة باعتبار اللازم، والمعنى أن الأمرين فعلنا بهم، الاستسخار منهم، أم الازدراء بهم، وتحقيرهم، وإن أبصارنا تعلو عنهم، وتقتحمهم على معنى إنكار الأمرين جميعا على أنفسهم، وعن : كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم، وإما منقطعة كأنهم أضربوا عن إنكار الاستسخار، وأنكروا على أنفسهم أشد منه، وهو أنهم جعلوهم محقرين لا ينظر إليهم بوجه، وفي الحسن زاغت دون أزغنا مبالغة عظيمة، كأن العين بنفسها تمجهم لقبح منظرهم، وأين هذا من السخر، فقد يكون المسخور منه محبوبا مكرما.
وجوز أن يكون معنى (أم زاغت) على الانقطاع بل زاغت أبصارنا، وكلت أفهامنا حتى خفي عنا مكانهم، وأنهم على الحق المبين. وقرأ النحويان، "اتخذناهم" بغير همزة، فجوز أن تكون مقدرة لدلالة أم عليها، فتتحد القراءتان، وأن لا تكون كذلك ويكون الكلام إخبارا، فقال وحمزة الجملة حال أي: وقد اتخذناهم، وجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها. وقال ابن الأنباري: وجماعة: صفة ثانية لرجالا،" وأم زاغت" متصل بقوله تعالى: الزمخشري ما لنا لا نرى إلخ، كما سمعت أولا.
وجوز أن تكون أم فيه منقطعة، كأنهم أضربوا عما قبل، وأنكروا على أنفسهم ما هو أشد منه، أو أضربوا عن ذلك إلى بيان أن ما وقع منهم في حقهم كان لزيغ أبصارهم، وكلال أفهامهم عن إدراك أنهم على الحق بسبب رثاثة حالهم، وقرأ عبد الله وأصحابه، ومجاهد ، ، والضحاك ، وأبو جعفر وشيبة ، ، والأعرج ، ونافع ، وحمزة "سخريا" بضم السين، ومعناه على ما في البحر من السخرة، والاستخدام، ومعنى سخريا بالكسر على المشهور من السخر وهو الهزء، وهو معنى ما حكي عن والكسائي قال: ما كان من مثل العبودية فسخري بالضم، وما كان من مثل الهزء فسخري بالكسر، وقيل: أبي عمرو
هو بالكسر من التسخير.