[ ص: 251 ] فاعبدوا ما شئتم أن تعبدوه من دونه عز وجل، وفيه من الدلالة على شدة الغضب عليهم ما لا يخفى كأنهم لما لم ينتهوا عما نهوا عنه أمروا به كي يحل بهم العقاب، قل إن الخاسرين أي الكاملين في الخسران وهو إضاعة ما بهم، وإتلاف ما لا بد منه لجمعهم أعاظم أنواع الخسران، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم باختيارهم الكفر لهما، فالمراد بالأهل أتباعهم الذين أضلوهم أي أضاعوا أنفسهم، وأضاعوا أهليهم، وأتلفوهما يوم القيامة حين يدخلون النار حيث عرضوهما للعذاب السرمدي، وأوقعوهما في هلكة ما وراءها هلكة، ولو أبقي يوم القيامة على ظاهره لأن يتبين فيه أمرهم، ويتحقق مبدأ خسرانهم صح على ما قيل، وقيل: المراد بالأهل الأتباع مطلقا، وخسرانهم إياهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروا هم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا إياب بعده، وتعقب بأن المحذور ذهاب من لو آب لانتفع به الخاسر، وذلك غير متصور في الشق الأخير، وقيل: المراد بالأهل ما أعده الله تعالى لمن يدخل الجنة من الخاصة، أي: وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم في الجنة لو آمنوا، أخرج عبد الرزاق، عن وعبد بن حميد، قال: ليس أحد إلا قد أعد الله تعالى له أهلا في الجنة، إن أطاعه، وأخرج نحوه عن قتادة ، وروي أيضا عن مجاهد وكلهم ذكروا ذلك في الآية، وأخرج ميمون بن مهران، ، عن ابن المنذر أنه قال فيها أيضا: خسروا أهليهم من أهل الجنة، كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله تعالى فغبنوهم، وهو الذي يقتضيه كلام ابن عباس ، فقد روي عنه أنه فسر الأهل بالحور العين، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك لا يخلو عن بعد. الحسن
وأيا ما كان، فليس المراد مجرد تعريف الكاملين في الخسران بما ذكر، بل بيان أنهم المخاطبون بما تقدم، إما بجعل الموصول عبارة عنهم، أو بجعله عبارة عما هم مندرجون فيه اندراجا أوليا، وما في قوله تعالى: ألا ذلك هو الخسران المبين من استئناف الجملة، وتصديرها بحرف التنبيه، والإشارة بذلك إلى بعد منزلة المشار إليه في الشر وأنه لعظمه بمنزلة المحسوس، وتوسيط ضمير الفصل، وتعريف الخسران، والإتيان به على فعلان الأبلغ من فعل، ووصفه بالمبين من الدلالة على كمال هو له، وفظاعته، وأنه لا نوع من الخسر وراءه ما لا يخفى.